الثلاثاء، 12 يوليو 2011

عبّاس بيضون وسعيد عقل والمركز الكاثوليكيّ للإعلام



هكذا تكلم سعيد عقل لعبّاس بيضون 


بلغ المئة ولم يقع تحتها تماماً، كما حصل لميخائيل نعيمة. أوفى سعيد عقل على المئة. هكذا سيكون للأدب اللبناني جد شرعي. انه يستحق بالطبع احتفال بكركي، فمنذ نعومة أظفاره لم يخالف الإنجيل ولو بشعرة واحدة. حاول أن يخترع لاهوتا موازيا، وبالفعل أحبه الله وأعطاه الكثير، دزينة مواهب تقريباً وعلمه كل شيء. وهو أيضاً علم الآخرين بنعمة أبيه السماوي كل شيء. وصيه واحدة لم يتعظ بها وهي حب الجار وحب القريب، في الواقع كرههما وخاصة عندما كانا يشاركانه في أرضه، كرههما كثيراً واختال كثيراً عليهما. كانا هنا فقط ليعرف مدى تفوقه وجماله وحكمته. بالفعل كان جميلاً جداً لكنه أحب جماله كثيراً ولم يمنحه لإنسان، فتنته نفسه ولم يجد أحداً يستحقها. كان بنعمة أبيه السماوي مخلوقا إلهياً وجعل يخاطب المطلق. عاش مع القيم السبع والمبادئ الاحد عشر والمدن التسع والوصايا الست، عاش كالآلهة مع الأعداد المقدسة ومع الهنيهات التي تقع في المطلق ومع الساعات الذهبية، أحبته النساء وأحبه الرجال لكنه كان أقنوماً خالداً وفوق الحب والكره. لم ير القبح ولا ذاق المرارة ولا عرف عاقبة الخسارة أو الخيبات. ظل في سمائه الصغيرة لا يرى الدم يسيل من السكاكين، الدم الذي يملأ الشوارع. حين احتربوا تحت نافذته لم يراجع نفسه، ظلّت له من نفسه فتنة كافية، ظل له من نفسه شريكاً أعظم. ظل له، من نفسه، الواحد الذي لا يتجزأ، الواحد الذي لا يرى الكسور. حين سقطت الأعداد وتكسرت تحت نافذته لم يشعر. حين انتهى العالم من حوله لم يشعر، ظل فوق الحزن والفرح، فوق الحب والكره وكان جميلاً، كما يقدر لإله، كما يقدر لمخلوق صنعته الخلود. ظل طاهراً ونظيفاً كما يقدر لمن تأله طفلاً وشرب من كأس الآلهة. لم يتعظ بالوصية التي توصي بحب الجار وحب القريب. تلك هفوة واحدة ولن تحسب عليه، لكن من سحره جمال نفسه سيغضب الآخرين. من فتنته صورته خبله جماله. من أوحشه جماله وصرعه مرة واحدة ستخيله المسافات وسيبحث عن صورته ولن يكف. سيكره من يجده في قدسه. سيعبد نفسه حتى الكفر بالباقين. في كل حال لن يراهم وفجأة في هذه الذات المستوحشة يلمع الخنجر. فجأة وهو يتعبد يتناول الخنجر. في افتتانه بالواحد الذي هو يروح يحلم بالقتل، يضيف وصية جديدة «على كل لبناني ان يقتل فلسطينيا». القتل بدون كره، القتل بدون انتقام، القتل فقط ليكون هناك قربان، ليقبل الإله هذه الأضحية. لتتم العبادة وتتم التضحية ونقتل لا الابن لكن الجار والقريب. مرة قال برونون السيريالي الحقيقي هو الذي ينزل إلى الشارع ويطلق على العامة. سول بيلو اعتبرها فاشية. هكذا يتكلمون في الخارج، من أكثر من أحب نفسه يصير فاشيا، من هام بنفسه يصير قاتلاً. سعيد عقل وصل إلى المئة. صعد الدرجات كلها ووصل منهوكا. لقد وصل ونال جائزته قداساً. ما أشق الطريق ما أخف الجائزة.


وهكذا ردّ الأب عبدو أبو كسم رئيس المركز الكاثوليكيّ للإعلام



رداً على مقالة عباس بيضون هكذا تكلم سعيد عقل

السفير 12/07/2011

عبده ابو كسم
طالعنا عباس بيضون في مقال يحمل عنوانا «وإنها لثورة» صدر في جريدتكم الغراء نهار الجمعة 8 تموز 2011، العدد 11931 في صفحة «الثقافي». يتكلم فيه على الثورات وما تحمل من معانٍ، لكن ما لفت انتباهنا واستغرابنا في آن، هو كلامه على الشاعر سعيد عقل، الذي لا يمت إلى الموضوع بصلة، وما ساقه من تهجمات واتهامات في حق هذا الرجل العظيم الذي حمل اسم لبنان عالياً شامخاً إلى كل العالم، بنبرة ممزوجة بالعنفوان والحق.
نحن لسنا بصدد الدفاع عن الشاعر سعيد عقل، فالعمالقة أمثاله لا تهزّهم مداعبات صبيانية كهذه، لكن ما يهمنا في الأمر، تناول السيد بيضون اسم بكركي والاحتفال التكريمي للشاعر سعيد عقل والتحقير لمعنى القداس، الذي هو أسمى وأرفع الاحتفالات المقدسة في حياة كنيستنا، لذلك رأينا من الواجب أن نوضح للسيد عباس بيضون وللرأي العام ما يلي:
1ـ إن الاحتفال التكريمي الذي أقيم للشاعر سعيد عقل في بكركي كان بدعوة من جامعة سيدة اللويزة لافتتاح مئوية سعيد عقل، ان بكركي رحبت بهذا التكريم الذي يحمل في مضمونه وجها روحيا وثقافيا، لما يستحقه هذا الشاعر الكبير من تقدير بامتياز.
2ـ أما الكلام على اللاهوت الموازي الذي اخترعه سعيد عقل في مقابل اللاهوت المسيحي، فهذا كلام في غير محله، فسعيد عقل جسد لاهوت الكنيسة في كتاباتهوشعره، وحوّل بعضه إلى ترانيم تُرفع إلى الله في ذبيحة القداس.
3ـ إن كلام كاتب المقال الذي يوحي في نهاية مقاله أن الكنيسة تكرّم الحاقدين والفاشيين أمثال سعيد عقل وتمنحهم الجوائز منهياً بالقول: لقد وصل (سعيد عقل) ونال جائزته قداساً، ما أشق الطريق وما أخف الجائزة.
إن هذا الكلام خطير جداً ويطال جميع المسيحيين ويسيء إليهم في صميم معتقداتهم الإيمانية ويولد لديهم اشمئزازاً وقد يثير النعرات الطائفية.
4ـ إن هذا التهكم على أقدس مقدساتنا أي «القداس» هو أمر مرفوض ويتوجب على صاحبه سحبه والاعتذار عن هذه الإساءة، فالقداس بالنسبة إلى المسيحيين هو تجديدلذبيحة الصليب، إذ يقدم سيدنا يسوع المسيح ذاته الآن في الزمان والمكان فداء عناليرفعنا إلى الأب السماوي. هذه التقدمة كانت وما زالت وستبقى أكبر هدية منحها اللهللبشرية جمعاء ليخلصها من عبودية الخطيئة، عبودية التجني والحقد والافتراء عبودية الجهل التي تتجلى في العبادات التي تزين مقال السيد بيضون.
5ـ لهذا وإظهاراً للحقيقة، وانسجاماً مع حق الرد، فإننا نطلب نشر هذا الرد في المكان عينه في صفحة الثقافي متمنين على السيد بيضون ان يضيف إلى ثقافته احترام المقامات والمقدسات، ويحرص على الالتزام بالموضوعية في مقاربته للمواضيع التي تخص الكنيسة.
الخوري عبده أبو كسم
مدير المركز الكاثوليكي للإعلام


÷ شكراً للأب عبده أبو كسم لأنه قرأ مقالتي ولن أجادله في شأن سعيد عقل فما كنت لأكتب عنه لولا أهميته في الشعر العربي الذي يشكل منعطفاً فيه وما كنت لآخذ عليه ما شط اليه من أقوال لولا ان مثل ذلك لا يغفر إذا جاء من أمثال سعيد عقل في مكانته الإبداعية والفكرية. أما وصف القداس بالخفة فليس بحال استخفاف بالقداس وفرق ما بين الاستخفاف والخفة فالخفة ضد الثقل وقد تكون لذلك صفة محمودة أما إذا حملها الأب المحترم على محمل الاستخفاف فأنا أعتذر له ولمن فهمها كذلك اعتذاراً كثيراً لكن هذا الكلام على أي محمل حملنا لا يجوز ان يكون خطيراً جداً ويطال جميع المسيحيين... وقد يثير النعرات الطائفية إذ ان المسيحية أرحب من ذلك وقد سبق لها ان احتملت في الغرب كتاب نيتشه ضد المسيح كما احتملت امثاله في الفن التشكيلي والمسرح والسينما، والانتروبولوجيا والتاريخ ولا ننسى انها تعايشت مع الديموقراطية والعلمانية ونقد الدين. أكرر شكري للأب لأنه قرأ مقالتي واستحقت رده.
عباس بيضون


الأربعاء، 6 يوليو 2011

سياسيون مسيحيون يخشون «خريفاً مبكراً» للبطريركية المارونية / دنيز عطاالله


مجلس المطارنة يحدد اليوم (6 تمّوز) موقفه من المحكمة والقرار الاتهامي
سياسيون مسيحيون يخشون «خريفاً مبكراً» للبطريركية المارونية

على وقع السجال الدائر في البلد وفي المجلس النيابي حول القرار الاتهامي والمحكمة الدولية، يعقد اليوم المطارنة الموارنة اجتماعهم الشهري الدوري. وبحسب مطلعين فإن المجتمعين لن يغضوا الطرف عن هذه النقطة الخلافية التي تشغل البلد. وسيكون لهم موقف منها. اما مضمون الموقف فسيتم «الاستعانة بالبلاغة اللغوية للمطارنة كي لا يُفسر إصرار المجلس على احترام العدالة وكشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين موقفا مع جهة ضد جهة اخرى».
هذه الحسابات «الوسطية» هي التي تحكم مسيرة البطريرك بشارة الراعي منذ توليه السدة البطريركية. حسابات ناتجة عن قناعة راسخة ان التطرف والمواقف الحادة لا تثّبت الاستقرار ولا العيش المشترك ولا تؤسس لاعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين بحكم انقساماتهم ودخولهم في لعبة المحاور.
لكن السياسيين الذين اعطوا البطريرك «فترة سماح» لجهة تعاونهم معه وانفتاحهم على طروحاته، بدأوا يتحللون من تعهداتهم ويتعاطون مع بكركي مجددا «على القطعة» او بحسب مواقفها.
آخر بوادر غياب «مونة» بكركي تمثّل في انفراط عقد اللقاء الذي كان من المفترض ان يجمع في دير مار يوحنا في كفرحي النواب بطرس حرب وسامر سعادة وأنطوان زهرا والوزير جبران باسيل اضافة الى النائبين السابقين سايد عقل ومانويل يونس. ففي اقامته في الدير، دعا الراعي نواب المنطقة الى لقاء. اعتذر الجميع، كل واحد لاسبابه، فلم يحضر سوى سعاده ولاحقا باسيل على موعد الغداء.
لكن هذا اللقاء الذي لم ينجح، ربما لانه لم يحُضّر بشكل جيد، ليس المظهر الوحيد لتفلت السياسيين المسيحيين من «ضوابط» بكركي المبدئية التي تلت الاجتماعين (الرباعي والموسع) اللذين عقدا في بكركي. فوسائل الاعلام عادت تمتلئ بـ«القصف الكلامي العشوائي» بين السياسيين المسيحيين والاتهامات المتبادلة استعادت زخمها. وللفريقين ملاحظاتهما على بكركي وسيدها، فهما يريدانه في «معسكرهما» بالكامل وإلا فالارتياب سمة العلاقة به.
مسيحيو «14 آذار» يعتبرون ان رأس الكنيسة المارونية، ايّا يكن، موقعه الطبيعي تبني مواقفهم وطروحاتهم. وبرأي احدهم «ان الامانة للتاريخ المسيحي، وخصوصا الماروني، في هذا الشرق والبلد تفترض ان تنحاز بكركي بالكامل الى كل ما يختزنه الوجدان المسيحي من رهان مطلق على الدولة ومناعتها واحتكارها وحدها للسلاح. كما ان ذلك يفترض ان تتبنى منظومة قيم متكاملة تبدأ بالشرعة العالمية لحقوق الانسان والديموقراطية والحداثة وصولا الى التعاطي بإيجابية ومن منطلق الصداقة والمصلحة مع المجتمع الدولي. كما أن بكركي معنية بشكل مباشر بتبني القيم المسيحية من حرية وعدالة وانفتاح. ودورها في لبنان التركيز على حماية العيش المشترك وعيشه بكامل ابعاده. وإن اخطر ما يواجه البلد اليوم يتمثل في تنكر فريق لأي شرعية دولية جريمتها انها تريد كشف الحقيقة ومحاسبة من قتل واغتال سياسيين لبنانيين و68 مواطنا بريئا. وبهذا المعنى لا يُفترض ببكركي ان تكون على الحياد. هي على محك الامتحان الاخلاقي والمبدئي لقيمها وقناعاتها وإرثها الكبير».
لكن مسيحيين آخرين لا يشاركون مسيحيي «14 آذار» الرأي والموقف من بكركي. ويقول قيادي في «التيار الوطني الحر» ان «بكركي رمز وطني وحاضنة لاستقرار البلد ومصلحته. وهي لا يمكن ان تتبنى رأيا او موقفا يعارضه نصف الشعب اللبناني او يشككون به ويتخوفون من تداعياته على البلد. والموقف اليوم من المحكمة الدولية ليس مسألة اخلاقية فقط لجهة ضرورة محاسبة القتلة، وهذا امر لا يرفضه احد. لكن المشكلة من يحاسب وعلى أية خلفية ولاي هدف؟». يضيف «بكركي معنية باستقرار البلد. وهي كسلطة كنسية مسؤولة عن شعبها تعي انه لا يمكن التنكر لاية قيمة من العدالة الى الحقيقة. لكن سلم القيم متكامل. فالسلام والاستقرار وتداول السلطة وتأمين حياة اقتصادية واجتماعية كريمة وآمنة للناس هي من القيم الاساسية ايضا. ولذلك لا يجوز ان تنحاز بكركي لقيمة على حساب اخرى».
لكن ابعد من هذا الصراع على موقف بكركي من المحكمة، كيف ينظر الفريقان المسيحيان الى سيد بكركي اليوم؟
لافت للانتباه سماع العبارة نفسها تقريبا من نائبين على طرفي نقيض. فالنائبان في مجالس ضيقة حددا مواصفات مطلوبة من أداء البطريرك ومواقفه والا فالخوف من «خريف مبكر للبطريركية المارونية».
يتوجس الطرفان من مواقفه التي تسر احدهما يوما وتزعجه في اليوم التالي. الحذر هو ما يحكم علاقتهم بالراعي. وحماسته وانطلاقه في زيارات الى المناطق والاديرة وعلاقته بالناس، والشبيبة بشكل خاص، لا تفرح الطرفين. يتمنيان لو ينسحب الى الصلاة الديرية او ينحاز اليهما. و«هما» تعني كل فريق منهما. فالراعي كما هو اليوم مربك. فالمطران الذي انحاز يوما الى طروحات العماد ميشال عون، عاد وابتعد عنها وهدد بـ«الحرم الكبير» على من يتطاول على بكركي وسيدها.
يبتسم احد الآباء القريبين من البطريرك الراعي للارباك الذي يسببه للسياسيين ويعلق «اذا كان فعلا يربكهم فهذا دليل عافية ودليل على ان البطريرك غير منحاز الا للقيم الانجيلية والوطنية. للساسة حساباتهم ومصالحهم اما البطريرك الراعي فحساباته كنسية ومصالحه وطنية. وإذا صح ان الفريقين يتخوفان من خريف مبكر للبطريرك فنذكّرهم بأن «البشارة» لا تشيخ وتحمل في مضمونها عناصر شبابها وتجددها وفرحها والرجاء».

السبت، 2 يوليو 2011

أن تكون مارونيًّا في هذا الزمن اللبنانيّ الرديء/ ماري القصيفي


قاديشا


أن تكون مارونيّاً في هذا الزمن اللبنانيّ الرديء لا يعني أنّك مرشّح دائم لرئاسة الجمهوريّة كما كان يخطر للبنانييّن كلّما دار الحديث عن الموارنة، فتغيّرات الأزمة وتقلّبات الدهر وأنانيّة أولي الأمر والصراع المارونيّ المارونيّ أدّت كلّها الى تعريف جديد للانتماء المارونيّ، لا يليق ويا للأسف الشديد بتاريخ هذه الطائفة ودورها في الصعد الحضاريّة المختلفة إن في لبنان او في العالم العربي او في العالم الغربي. فان تكون مارونياً اليوم يعني انك ستبيع ارضا ورثتها عن والدك لتقيم عرسا فخما لابنك، وانك ستتزوج وتطلق بعد اشهر ولن تنجب اولادا في هذا البلد "الخربان"، وانك لن تجرؤ على كتاب رواية واحدة من تاريخ طائفتك لانك تخشى من ان تتهم باثارة النعرات الطائفية، وانك الآن تحزم حقائبك للهجرة لانك لا تريد ان تعلق وسط صراعات اقليمية واصولية ودولية وداخلية.ان تكون مارونياً اليوم يعني انك محكوم بان تختار جهة مارونية واحدة من جهتين لا ثالث لهما، فانت مجبر على الاختيار بين الدكتور سمير جعجع وكل ما يمثله من ماض وحاضر ومستقبل، وبين العماد ميشال عون وكل ما يمثله من ماض وحاضر ومستقبل.(الآن وعند هذه الكلمة ثمة تساؤلات عند عدد من الموارنة الذين يقرأون هذا النص تدور حول الجهة التي أنتمي أنا اليها، فمجرّد وضع اسم من اسميّ الزعيمين المارونيين قبل الآخر قد يُفهم عند هذه الفئة او تلك بطريقة لن تخطر الا على بال موارنة هذا الزمن).

ان تكون مارونياً اليوم يعني انك محكوم منذ لحظة تكوّنك في احشاء أمّك باتخاذ منحى سياسي يحدّده الطبيب المولّد الذي اختاره والدك ولأية جهة سياسية ينتمي، ثم هناك مدير المدرسة، والكنيسة التي تذهب اليها يوم الاحد ومن سيلقي العظة الاسبوعية، والاغنية التي ستسمعها، والجامعة التي ستذهب اليها، والمحطات التلفزيونية والاذاعية اللتان تقولان الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.فعيد العلم الذي سنحتفل به قريبا ليس هو نفسه في مدرسة مارونية رئيسها عوني او قواتي، ففي الاولى سيصدح صوت جوليا باغنياتها الوطنية، وفي الثانية ستكون ماجدة الرومي نجمة الاحتفال. وفي خضم الخطب وهزج التلاميذ، ستقع الاعلام اللبنانية التي وزعتها البلديات السخية على الارض وسيدوسها الجميع ولن تجد من يرفعها اعلى من صوت المطربتين.وفي عيد الميلاد، ستجد المسيح مدفونا تحت مئات المصابيح ووسائل الزينة ذات الالوان السياسية التي تعلن مع سابق الاصرار والتصميم على ان الموارنة في هذا البيت الكريم مع الحكيم او مع الجنرال، "واللي مش عاجبو ما يجي لعنا عالعيد، حتى ولو كان المسيح نفسه".

لا يمكنك ان تكون بلا لون اذا كنت مارونياً، لا تستطيع ان تكون محايدا او غاضبا من الجميع، او ان تختار خطا ثالثا لا علاقة له بالخطين المتوازيين اللذين لن يلتقيا الا خارج مقاييس هذا الزمن الرديء، لان ذلك يعني انك لست مارونياً، او انك جبان لا تجرؤ على التعبير عن رأيك، او انك خبيث لا تريد ان تفصح عن ميولك، او انك خائن لا تعنيك مصلحة الطائفة ومصير المسيحيين في الشرق وصولا الى العالم كله. لا يمكنك ان تكون مع 14 آذار وتحتفل بعرسك عند الخوري سليم او جميل او عصام (طبعا هي اسماء وهمية، فالكهنة الموارنة يحملون حكما اسماء قديسين)، ولا يمكنك ان تكون مع 8 آذار وتقرأ صحيفة "النهار" او تفتح مواقعها على الانترنت كي لا ترتفع في احصاءات الجريدة نسبة الاقبال عليها. لا يمكنك ان تكون مارونياً على سنّة الحكيم وتنتقد البطريرك الماروني، وكذلك لا يمكنك ان تكون مارونياً تتشيع للجنرال وتنتقد السيد حسن نصرالله.فان تكون مارونياً اذاً يعني ان ثمة امورا كثيرة عليك ان تأخذها في الاعتبار (التي بليت بالعمى في هذه الطائفة) ولا تستطيع ان تتصرف كما يحلو لك او كأن الدنيا فالتة. ولذلك فأنت مجبر على اتخاذ جانب الحيطة والحذر في كل ما تفعله، فالجميع يراقبون تصرفاتك ليعلموا من ستنتخب في رابطة المعلمين (وستين سنة على التربية)، وعن اي دار نشر سيصدر كتابك (رحم الله الثقافة)، وفي اي جريدة تنشر مقالاتك (مسكينة حرية التعبير). انت ستحسب على احد مهما فعلت، ولن تنجو كماروني من تهمة الانحياز، ولا تحاول التهرب بالقول انا مع مار مارون، فقد يقول لك احد العونيين: انت معنا لان مار مارون اتى من سوريا، ولا تتذاكى وتقول انا مع الكنيسة لان احد القواتيين سيقول لك: أنت معنا اذاً لان الكنيسة في رأيه مع الحكيم. ورجاء لا تحاول الدخول في بحث تاريخي تحليلي نقدي لكلا القولين لانك ستكون كمن يغني في الطاحون.لو كانت في لبنان احصاءات علمية دقيقة وشفافة، لاكتشف الزعماء الموارنة المنقسمون بين الجنرال والحكيم، ولاكتشف رجال الدين المنقسمون بين 14 و8 آذار، ان نسبة الإدمان على مهدئات الاعصاب والمخدرات مرتفعة بين اتباعهم وابنائهم، وكذلك الانتحار والهجرة والطلاق والهجر وتدهور المستوى المعيشي والعنف المنزلي وتدني المستوى الدراسي وكل ذلك بسبب القلق على المصير، والخوف من المستقبل، والغموض في الرؤيا، والتخبط في الصراعات الداخلية، وانهيار المؤسسات الاستشفائية والتربوية والاجتماعية بسبب الفساد والفضائح الاخلاقية والادارية والسرقات والهدر وسوء التخطيط.

هل هذه هي المارونية النسكية التي انطلقت من اودية لبنان لتسمو على قممه؟ هل هذه هي رسالة الموارنة في هذا العالم: عهر واقتتال وفساد ومصالح فردية وعمالة وسطحية وجهل؟ وكيف يجرؤ الزعماء الموارنة على تناول القربان المقدس على مائدة خلاصية واحدة وما من احد منهم صالح اخاه قبل التقدم من مذبح الرب؟ وهل يجرؤ الكاهن الذي يؤنب مراهقة ترتدي ملابس متحررة اما جموع المصلين على النظر في عيون هواة الحرب والمناصب؟ هل هذه هي المارونية المشرقية التي تتنازل عن روحانيتها من اجل اسواق الاعلام والاعلان وتحاربك لانك لا تفهم لغة "السوق"؟ وهل هذه هي المارونية المتنورة المتحررة التي تتبرّأ من عقلها وتضطهدك لأنّك تفكّر؟اذا كانت هذه هي المارونيّة الجديدة، واذا كان لا كيان لي ولا وجود ولا رأي الا اذا كنت "محسوبة" على فريق (سياسي او طائفي او مذهبي او اقليمي او حزبي او عائلي او مناطقي او بلدي او صحافي او ادبي او ثقافي)، فانا اذاً انزل الحرم الكنسي بنفسي لانقذ هذه الطائفة مني...