الجمعة، 9 ديسمبر 2011

ترويكا التسعينات ترفض مشاركة المسيحيين في القرار - هيام القصيفي - النهار


أبعد من ضربات يتلقّاها عون من حلفائه وتشفّي 14 آذار
ترويكا التسعينات ترفض مشاركة المسيحيين في القرار


بعيدا من حسابات الربح والخسارة بين مسيحيي 8 و14 آذار واخطاء رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون، وتشفي مسيحيي المعارضة بخصمهم، ثمة مساحة يركن اليها بعض العقلاء المسيحيين القريبين من الخط التقليدي لبكركي، تتعدى سلسلة الضربات القاضية التي وجهها الى عون حلفاؤه في ورقة التفاهم وشركاؤه في الحكومة. وتتوقف هواجس هؤلاء عند المحك التاريخي الذي يواجهه مسيحيو لبنان اليوم وسط عاصفة اقليمية اصبحوا في عينها من دون سقف يحميهم ويؤطر رؤيتهم المستقبلية الى دورهم، وفي ظل مراجعة حتمية لرؤية الشريك المسلم ايا تكن هويته لدور المسيحيين اللبنانيين في الحكم.
لا يزال الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط الركنين الثابتين في حكومات ما بعد الطائف، وهما مستمران في موقعهما في التحالف تحت الطاولة وفوقها، تارة مع حليف سني كان عماده مدى اعوام الرئيس الراحل رفيق الحريري، وطوراً مع من خلفاه في النهج ذاته الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. ومن التحالف الرباعي الذي انتجه الرجلان، الى تحالف يتقاطع مع خط سني آخر يمثله الرئيس نجيب ميقاتي من دون ان يتغير الاسلوب والنهج في ادارة مقدرات الحكم.
فللمرة الاولى يحصل فريق مسيحي، صودف انه فريق "التيار الوطني الحر" على حصة وازنة في الحكومة بعد سلسلة مفاوضات شاقة، متكئا على تمثيل يشكل على الاقل نصف مسيحيي لبنان. دخل عون الحكومة تحت شعار تحسين حصة المسيحيين ودورهم في السلطة، وواكبه خطاب بطريركي اراد - الافادة من الانفتاح على الفريق الاخر تحت عنوان اعادة التوازن والحوار مع الشركاء كافة في الوطن. لكن النتيجة التي خلص اليها الفريقان ان ما كتب قد كتب وان مقاطعة المسيحيين عام 1992 للحكم وخروجهم من السلطة كانا ولا يزالان "حج خلاص" للفريق الآخر، ايا تكن هويته السياسية، ليستمر في التعاطي والفريق المسيحي على انه خارج السلطة ولا يزال مقاطعا لها.
هكذا كانت حال مسيحيي 14 آذار في حكومتي السنيورة والحريري الابن، و"القوات اللبنانية" اكثر من أدرك هذا الامر حين حاولت عبثاً في بعض المحطات ان تكون عبثا رقما صعبا داخل الحكومة. استظل مسيحيو الاكثرية في تلك الحقبة سقف الطائف وركنوا الى عنوان السيادة والاستقلال بديلا من التفاصيل اليومية في الدخول الى الادارة واستعادة المواقع المسيحية والدخول الى جنة الحكم، في انتظار انتهاء المعركة الوطنية المصيرية. لكن المشروع المسيحي – الوطني الذي ظلله البطريرك الماروني السابق الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، لم تجاره الطبقة الحاكمة حينها، ما خلا الاحتماء ببكركي عند الازمات والاشادة بصفير بعد استقالته. والا كيف يُفسر عدم اقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني الذي اراده صفير وتريده بكركي اليوم، وظل نائما في ادراج النائب "المستقبلي" سمير الجسر. ناهيك بسلسلة طويلة من التعيينات التي لم تعط المسيحيين حقهم عملا بالمذكرة التي كان رفعها صفير الى الرئيس الحريري الاب. وكأن مرسوم تجنيس عام 1994 الذي استهدف المسيحيين عموما والموارنة خصوصا لم يكن كافيا.
ومع اتفاق الدوحة الذي اتى برئيس الجمهورية ميشال سليمان كان رهان على استعادة المسيحيين دورهم في الحكم والحكومة، لكن ما خلصت اليه التجربة حتى اليوم العودة كانت شكلية، وان المناصفة التي حددها "الطائف"، مسموح بها في النصوص فحسب. اما عدا ذلك، فكمية متراكمة من التسويف ومن التأجيل لا تعد ولا تحصى. فالمناصفة العددية امر، والحكم امر آخر.
دلت تجربة عون في الحكومة على ان سلطة القرار لا تزال مع ترويكا التسعينات، وان لم يعد رئيس الجمهورية اليوم شريكا فيها. واصبحت وفي عهدتها القرارات السيادية الى التعيينات. وحتى قانون الانتخابات ما ان بدا المسيحيون متفقين على قراءة واحدة له بدأت الاعتراضات من حلفاء عون وحلفاء 14 آذار معا مما يعني ذهاب القانون العتيد الى حيث يريد بري و"حزب الله" وجنبلاط و"المستقبل". 
ولا ينكر اي من قارئي تجربة 14 آذار وعون في الحكم، الاخطاء التي ارتكبها الفريقان ودخولهما لعبة المحاصصة ورمي كل منهما الاتهامات على الفريق الآخر من اجل تحسين صورته المسيحية الداخلية وتعزيز حصته الانتخابية في المجلس. بدليل ما يحصل اليوم من انصراف "القوات" الى التحضير للانتخابات النيابية، كأن البلاد عشية الاستحقاق . ويتقاسم مسيحيو السلطة والمعارضة اليوم حكما المسؤولية، فرئيس الجمهورية وعون يتنازعان التعيينات التي لم تحصل بعد. وبين ما يريده سليمان من تعيين القاضية أليس شبطيني وما يريده عون من تعيين القاضي طنوس مشلب رئيساً لمجلس القضاء الاعلى، تتوقف التعيينات المسيحية. وبين ما أراده سليمان من تعيين رئيس جهاز أمن المطار ودخول عون على الخط، وابلاغ "حزب الله" ان هذا الامر محصور به، طار المركز من الارثوذكس والموارنة معا. وهكذا دواليك. وبين تأييد "المستقبل" لصفير ودعم "حزب الله" للخط البطريركي الجديد، لا يزال المسيحيون يخضعون لبازار الحصص بين شركاء الوطن. وما الضربات القاضية التي توجه الى عون تباعا سوى عينة مما كان يعيشه الوزراء المسيحيون ابان الوصاية السورية. ويحق لهؤلاء اليوم التفاخر بأن ما انجزت حكومات الاستقلال للمسيحيين ليس اكثر اهمية من انجازات حكومات الوصاية.
بين مسيحي 14 آذار وعون مسافة طويلة من الخصومة السياسية، وما بينهما معا وشركائهم، قد تصبح المسافة اطول، مهما كانت خطب طرابلس وغدا "البيال" او "ملعب الراية" تعدهم بالمن والسلوى. والمشكلة ان الرهان على قرار مسيحي مصيري بات مشكوكا به، فلا عون سيقلب الطاولة على حلفائه على رغم البلبلة الشديدة التي تسود العونيين حيال مواقف حلفائهم، ولا قوى 14 آذار ستكون طليقة اليدين في الدفاع عن مصير مسيحيي لبنان قبل الحديث عن دور المسيحيين العرب. 
هيام القصيفي     
hiyam.kossayfi@annahar.com.lb