الأربعاء، 6 يوليو 2011

سياسيون مسيحيون يخشون «خريفاً مبكراً» للبطريركية المارونية / دنيز عطاالله


مجلس المطارنة يحدد اليوم (6 تمّوز) موقفه من المحكمة والقرار الاتهامي
سياسيون مسيحيون يخشون «خريفاً مبكراً» للبطريركية المارونية

على وقع السجال الدائر في البلد وفي المجلس النيابي حول القرار الاتهامي والمحكمة الدولية، يعقد اليوم المطارنة الموارنة اجتماعهم الشهري الدوري. وبحسب مطلعين فإن المجتمعين لن يغضوا الطرف عن هذه النقطة الخلافية التي تشغل البلد. وسيكون لهم موقف منها. اما مضمون الموقف فسيتم «الاستعانة بالبلاغة اللغوية للمطارنة كي لا يُفسر إصرار المجلس على احترام العدالة وكشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين موقفا مع جهة ضد جهة اخرى».
هذه الحسابات «الوسطية» هي التي تحكم مسيرة البطريرك بشارة الراعي منذ توليه السدة البطريركية. حسابات ناتجة عن قناعة راسخة ان التطرف والمواقف الحادة لا تثّبت الاستقرار ولا العيش المشترك ولا تؤسس لاعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين بحكم انقساماتهم ودخولهم في لعبة المحاور.
لكن السياسيين الذين اعطوا البطريرك «فترة سماح» لجهة تعاونهم معه وانفتاحهم على طروحاته، بدأوا يتحللون من تعهداتهم ويتعاطون مع بكركي مجددا «على القطعة» او بحسب مواقفها.
آخر بوادر غياب «مونة» بكركي تمثّل في انفراط عقد اللقاء الذي كان من المفترض ان يجمع في دير مار يوحنا في كفرحي النواب بطرس حرب وسامر سعادة وأنطوان زهرا والوزير جبران باسيل اضافة الى النائبين السابقين سايد عقل ومانويل يونس. ففي اقامته في الدير، دعا الراعي نواب المنطقة الى لقاء. اعتذر الجميع، كل واحد لاسبابه، فلم يحضر سوى سعاده ولاحقا باسيل على موعد الغداء.
لكن هذا اللقاء الذي لم ينجح، ربما لانه لم يحُضّر بشكل جيد، ليس المظهر الوحيد لتفلت السياسيين المسيحيين من «ضوابط» بكركي المبدئية التي تلت الاجتماعين (الرباعي والموسع) اللذين عقدا في بكركي. فوسائل الاعلام عادت تمتلئ بـ«القصف الكلامي العشوائي» بين السياسيين المسيحيين والاتهامات المتبادلة استعادت زخمها. وللفريقين ملاحظاتهما على بكركي وسيدها، فهما يريدانه في «معسكرهما» بالكامل وإلا فالارتياب سمة العلاقة به.
مسيحيو «14 آذار» يعتبرون ان رأس الكنيسة المارونية، ايّا يكن، موقعه الطبيعي تبني مواقفهم وطروحاتهم. وبرأي احدهم «ان الامانة للتاريخ المسيحي، وخصوصا الماروني، في هذا الشرق والبلد تفترض ان تنحاز بكركي بالكامل الى كل ما يختزنه الوجدان المسيحي من رهان مطلق على الدولة ومناعتها واحتكارها وحدها للسلاح. كما ان ذلك يفترض ان تتبنى منظومة قيم متكاملة تبدأ بالشرعة العالمية لحقوق الانسان والديموقراطية والحداثة وصولا الى التعاطي بإيجابية ومن منطلق الصداقة والمصلحة مع المجتمع الدولي. كما أن بكركي معنية بشكل مباشر بتبني القيم المسيحية من حرية وعدالة وانفتاح. ودورها في لبنان التركيز على حماية العيش المشترك وعيشه بكامل ابعاده. وإن اخطر ما يواجه البلد اليوم يتمثل في تنكر فريق لأي شرعية دولية جريمتها انها تريد كشف الحقيقة ومحاسبة من قتل واغتال سياسيين لبنانيين و68 مواطنا بريئا. وبهذا المعنى لا يُفترض ببكركي ان تكون على الحياد. هي على محك الامتحان الاخلاقي والمبدئي لقيمها وقناعاتها وإرثها الكبير».
لكن مسيحيين آخرين لا يشاركون مسيحيي «14 آذار» الرأي والموقف من بكركي. ويقول قيادي في «التيار الوطني الحر» ان «بكركي رمز وطني وحاضنة لاستقرار البلد ومصلحته. وهي لا يمكن ان تتبنى رأيا او موقفا يعارضه نصف الشعب اللبناني او يشككون به ويتخوفون من تداعياته على البلد. والموقف اليوم من المحكمة الدولية ليس مسألة اخلاقية فقط لجهة ضرورة محاسبة القتلة، وهذا امر لا يرفضه احد. لكن المشكلة من يحاسب وعلى أية خلفية ولاي هدف؟». يضيف «بكركي معنية باستقرار البلد. وهي كسلطة كنسية مسؤولة عن شعبها تعي انه لا يمكن التنكر لاية قيمة من العدالة الى الحقيقة. لكن سلم القيم متكامل. فالسلام والاستقرار وتداول السلطة وتأمين حياة اقتصادية واجتماعية كريمة وآمنة للناس هي من القيم الاساسية ايضا. ولذلك لا يجوز ان تنحاز بكركي لقيمة على حساب اخرى».
لكن ابعد من هذا الصراع على موقف بكركي من المحكمة، كيف ينظر الفريقان المسيحيان الى سيد بكركي اليوم؟
لافت للانتباه سماع العبارة نفسها تقريبا من نائبين على طرفي نقيض. فالنائبان في مجالس ضيقة حددا مواصفات مطلوبة من أداء البطريرك ومواقفه والا فالخوف من «خريف مبكر للبطريركية المارونية».
يتوجس الطرفان من مواقفه التي تسر احدهما يوما وتزعجه في اليوم التالي. الحذر هو ما يحكم علاقتهم بالراعي. وحماسته وانطلاقه في زيارات الى المناطق والاديرة وعلاقته بالناس، والشبيبة بشكل خاص، لا تفرح الطرفين. يتمنيان لو ينسحب الى الصلاة الديرية او ينحاز اليهما. و«هما» تعني كل فريق منهما. فالراعي كما هو اليوم مربك. فالمطران الذي انحاز يوما الى طروحات العماد ميشال عون، عاد وابتعد عنها وهدد بـ«الحرم الكبير» على من يتطاول على بكركي وسيدها.
يبتسم احد الآباء القريبين من البطريرك الراعي للارباك الذي يسببه للسياسيين ويعلق «اذا كان فعلا يربكهم فهذا دليل عافية ودليل على ان البطريرك غير منحاز الا للقيم الانجيلية والوطنية. للساسة حساباتهم ومصالحهم اما البطريرك الراعي فحساباته كنسية ومصالحه وطنية. وإذا صح ان الفريقين يتخوفان من خريف مبكر للبطريرك فنذكّرهم بأن «البشارة» لا تشيخ وتحمل في مضمونها عناصر شبابها وتجددها وفرحها والرجاء».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق