الثلاثاء، 22 فبراير 2011

البطريرك الذي لا ينكسر بقلم هيام القصيفي





كتبت هيام القصيفي: 
ربطت البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بـ"النهار" علاقة مميزة من الود والاحترام مدى اعوام حبريته التي بدأت العام 1986، وتعززت، قبل "قرنة شهوان" وبعدها، مع جبران تويني الذي لقبه بـ"بطريرك لبنان والعرب"، مؤكدا العام 2000 ان صفير "ليس صندوق بريد لاحد انما هو يتحدث باسم جميع اللبنانيين".
واليوم تحاول "النهار" ان تفي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، بعضا من حقه، وهو يستعد لترك سدة البطريركية بعد 25 عاما من النضال والكفاح في اصعب مراحل تاريخ لبنان والطائفة لنفتقد الصوت الحق الذي ظل صارخا في برية الحرب والانقسامات، مناديا بالحرية والسيادة والاستقلال وبخروج الاسرائيليين والسوريين من لبنان. شهادات من قلب البيت، على ألسنة اركان الحلقة الاقرب لصفير، ممن عملوا معه على جملة ملفات وقضايا حساسة: رئيس "المؤسسة المارونية للانتشار" الوزير السابق ميشال اده، النائبان السابقان سمير فرنجيه وفارس سعيد، وعضوا "لقاء قرنة شهوان" السفير سيمون كرم وسمير عبد الملك، والمسؤول عن الابحاث والاحصاء في "المؤسسة المارونية للانتشار" يوسف شهيد الدويهي، وكاتب سيرة صفير الزميل انطوان سعد. يتحدثون بعيدا من الممالأة، عن بطريرك قدم استقالته برفعة وصمت مدوّ، مانحا موقع بكركي مجدا يكاد يوازي ما منحه اياه مؤسس الطائفة المارونية البطريرك يوحنا مارون، بعدما ارسى عهدا جديدا لبكركي المشرقية لن يقدر اي خليفة له على تخطيه. وبحسب ما يقول كرم: "ان طراوة أسلوب الاستقالة لن يغطي دوي الحدث، وتواضع الإخراج لن يحجب الفراغ". 


صفير ولبنان الكبير
طبعت مسيرة صفير محطات رئيسية، داخل لبنان وخارجه ابان رحلاته الراعوية والاغترابية، ويجمع المتحدثون على ان دوره فيها تفوق على الدور الذي اداه البطريرك الراحل الياس الحويك عندما ارسى دولة لبنان الكبير، على قول سعيد، لانه نحت استقلال لبنان الحقيقي في الصخر بالابرة، ولم يعمل لمصلحة فريق ماروني او مسيحي الا من خلال نظرته الى لبنان ككل، لانه اعتبر ان لا خلاص للمسيحيين الا بخلاص لبنان". 
ويقول عبد الملك "منذ مفاوضات الصلح في باريس بعد الحرب العالمية الاولى، لم تقبل الكنيسة المارونية باقامة وطن قومي مسيحي، انما فضّلت الانفتاح والتواصل مع بقية الشركاء المسلمين في الوطن". 
اعاد صفير تثبيت عمل الحويك في الكيان اللبناني مدى اعوام حبريته ولكن في ظروف اكثر صعوبة وقسوة، بحسب الدويهي، "لان صفير واجه مشكلات اكثر حدة داخل الطائفة والبلاد ومن الخارج لحظة كان وطن الحويك يشرف على الانهيار. دافع عن الطائف حين رأى ان ليس امام لبنان سوى هذا الخيار ودفع ثمن ذلك معنويا. كذلك تعرض للحملة نفسها بعد العام 2000 عندما اطلق النداء الاول لمجلس المطارنة الموارنة، وغطى احدى اهم التجارب السياسية التي عاشها لبنان عندما أعُلِن لقاء قرنة شهوان".


فرنجيه: همّه المناصفة والاعتدال 
كان لفرنجيه دور فاعل في صوغ اتفاق الطائف ورافق صفير في رعايته له. يصفه بانه "يتميز بصلابة فريدة في مواقفه، الا ان صلابته لا تجعله يفوت اي فرصة ممكنة للحوار لانقاذ للبنان. لذلك ايد الطائف، وحمل منذ اللحظة الاولى همّ العلاقة المسيحية - الاسلامية التي اعتبرها اساسا وضمانا للجميع. اما الاولوية المطلقة عنده فكانت النتيجة الفورية للطائف، اي انهاء شتى انواع الحروب. وهو كان حريصا على المناصفة اكثر من الصلاحيات وتمسك بها حتى النهاية، لانها بالنسبة اليه كانت تؤمن الحضور والمشاركة في كل النظام. وادى دورا في دفع السعودية الى التمسك بالاتفاق حتى انجازه عندما اصطدمت مفاوضات الطائف برفض سوري كاد ان يطيحها". 
يستعيد فرنجيه مراحل الاعتراض على دور صفير، "نتيجة لصلابته وايمانه بفكرة الاعتدال قبل ان تصبح فكرة معمقة. ففي التسعينيات اعترضوا عليه لانه اخذ مسافة عن العماد ميشال عون، وبعد العام 2000 بسبب موقفه من سوريا، وبعد العام 2005 بسبب موقفه القيادي في الطائفة المارونية".
ومسيرة الاعتدال التي بنى عليها صفير موقفه في الطائف اكدتها اخيرا بحسب فرنجيه "احداث العالم العربي التي اظهرت ان حماية المسيحيين تكون عبر تجديد العالم العربي وبالعلاقة والشراكة المسيحية الاسلامية وليست بالانغلاق او الضمانات انما، وهذه مهمة سيبقى اسمه مرتبطا بها".


كرم: دعم تأطير المعارضة
تعرض صفير لهجوم حاد من داخل المجتمع المسيحي لموافقته على الطائف، ومن سوريا التي وقف في وجهها فروّجت في تلك الحقبة لمقولة عزله والتهديد عبر حلفائها بان "العشب سينبت على ادراج بكركي". 
ويقول كرم "إبان النصف الأول من التسعينيات عندما استكملت الوصاية وسائل الضربة القاضية مستهدفة إلغاء الدولة بعد سقوط الاستقلال، وقف البطريرك وحده في وجهها، بعدما تنكرت القوى العربية والدولية التي ضمنت اتفاق الطائف لتعهداتها والتزاماتها، وسلمت لسلطة الوصاية بالسيطرة المفتوحة، كما سلمت لها باستخدام القمع السياسي والأمني لتحقيق هدفها. قلة كانت تتردد الى بكركي تلك الأيام المظلمة، وكان الإعلام ممنوعا من بث عظات البطريرك والتهديدات تطاول الأحبار والقريبين، فيما الضربات الأمنية تتوالى على المواطنين ليس بسبب رأيهم بل لمجرد انتمائهم. وقف البطريرك بجانب الناس ودافع عنهم وشد من عزيمتهم رافعا شعار "لا تخافوا". وادى كذلك دورا محوريا في جمع المعارضة اللبنانية وتأطيرها، وفي التعبير عن موقفها وحماية موقعها".
تدرجت مواقف صفير في دفاعه عن القضايا الحقة، واسس لجملة مواقف بنى عليها علاقته مع المجموعات اللبنانية. يقول كرم "وفر للمقاومة المقاتلة أمام اعتداء 1996 الإسرائيلي إجماعا لبنانيا بعدما زاره زعيمها في لحظة فاصلة، لكنها لم تبادله هذا الموقف بعد زوال الاحتلال، فظلت متمسكة بالوصاية حتى آخر لحظة، قبل أن تتحول الى استخدام سلاحها في الداخل مستثيرة خوف مواطنيها ورفضهم.
ودعم صفير تجربة الرئيس رفيق الحريري في الإعمار تحت الوصاية حاملا عنه عبء مناهضتها، ولدى زوالها بعد مأساة الاستشهاد وتفجر انتفاضة الاستقلال، بادله بعض أركانها بطعنة "الاتفاق الرباعي" مقوضين الى حد كبير إنجاز "ثورة الأرز"، ثم لم يتحالفوا معه عندما كان لبنان أمام استحقاق انتخاب أول رئيس بعدما تحقق الاستقلال الثاني.
واستنهض الرأي العام لمصلحة "التيار الوطني الحر" في إنتخابات 2005 وسلم لرئيسه بالزعامة، قبل أن يعود تدريجا الى الامساك بالمسؤولية السياسية وصولا الى التحذير من فوز تحالف 8 آذار في انتخابات 2009 من شأنه تهديد كيان لبنان، نتيجة "لتخلي عون عن خطه التاريخي".


سعيد: من النداء الاول الى مصالحة الجبل 
انتجت اعوام المقاطعة والحروب الداخلية والنفوذ السوري المتزايد بين 1990 و2005 جنوحا سوريا نحو احكام القبضة على لبنان، الامر الذي دفع صفير الى خرق الجمود اللبناني باطلاق الشرارة الأولى لزمن الاستقلال، عبر النداء الاول لمجلس المطارنة. وهو بحسب سعيد "اعطى سوريا الفرصة بعدما انسحبت اسرائيل لتعديل سلوكها في لبنان والانسحاب منه ولما لم يتحقق ذلك، اصدر النداء الاول".
عشية النداء كان سعيد وفرنجيه في زيارة للصرح، وفوجئا بطلب صفير منهما الاستماع الى نص يرغب قراءته لهما. لم يدرك النائبان السابقان ماهية النص، لكنه كلما كان يمعن في القراءة كانا يدركان انهما امام نص كتبه صفير نفسه باسلوبه المعهود، ليكتشفا انهما امام النداء الاول يسمعانه من صفير شفويا، للمرة الاولى قبل اذاعته في اليوم التالي.
كان فرح صفير بالنداء بحسب سعيد كبيرا وهمه الاساسي كان ترجمة النداء عبر شراكة اسلامية، الامر الذي انطلق جديا عندما لم يصدر بيان دار الفتوى كما روج له آنذاك، وفيه "ان من يطالب بخروج سوريا من لبنان انما يخدم اسرائيل". يستعيد سعيد واقعة توجه الرئيس عمر كرامي بعد ايام من صدور النداء الى بكركي وتناوله الغداء فيها مع فرنجيه والنائبة نايلة معوض، ومن ثم زيارة الرئيس نبيه بري لبكركي وتطويق السوريين لنتائج تلك الزيارة لاحقا بعدما صيغت ورقة من بنود عدة كشف منها اعادة الاعتبار للطائف، واعادة الانتشار السوري ومن ثم اطلاق 48 معتقلا لدى سوريا ليبلغ عدد المفرج عنهم عمليا 52. اما البندان اللذان لم يعلنا فهما تحسين ظروف سجن رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وتأمين حماية رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. اما الرئيس رفيق الحريري فيروي سعيد انه "قال لنا انتم مجانين. بشار الاسد ليس حافظ الاسد، هو انتخب حديثا وانتم استقبلتموه بالنداء. لا تتكلوا عليّ كي اكون حليفا، سلموا على البطريرك وانا ساهنئه في عيد الميلاد". في المقابل كان جنبلاط بدأ يقترب من خط بكركي بعدما طالب باعادة تموضع الجيش السوري. في هذه الظروف كانت قرنة شهوان بدأت مسيرتها ثم انطلق عمل "المنبر الديموقراطي"، اطارا مدنيا يلاقي القرنة ويفك العزلة الاسلامية عن النداء وبكركي. في هذه الاجواء انطلق البحث في زيارة صفير للجبل وتحقيق مصالحة يقول فرنجيه عنها ان جنبلاط "في لحظة صفائه التاريخية تلك الايام اراد منها طي صفحة 1860 وليس حرب عام 1983 وتهجير الجبل فحسب". حققت زيارة الجبل مفاعيلها بكسر العزلة سواء بلقاء المختارة او بالخطاب الذي القاه جنبلاط وعظة صفير، والاستقبال التاريخي الذي اعد له، على رغم محاولات العرقلة التي ترجمتها لاحقا حادثة الكحالة وما تبعها من توقيفات.


عبد الملك: "قرنة شهوان" والعلامة الفارقة 
ادت الكنيسة دورا محوريا سواء في مصالحة الجبل او في المسار السياسي الذي رافق نداء مجلس المطارنة. يقول عبد الملك مختصرا دور صفير في تلك المرحلة: "ادركت الكنيسة المارونية مع صفير الخطورة الوجودية وكانت السباقة في مستويات ثلاثة: في مراجعة الحرب واستخلاص العبر والدروس منها، مع "السينودوس من أجل لبنان" الذي بدأ أعماله فور انتهاء القتال. وجاءت زيارة قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للبنان في ايار 1997 واعلان "الارشاد الرسولي" ليتوجا هذه المراجعة. وفي معركة الاستقلال بعد 20 أيلول 2000، وفي وضع تصور للمستقبل اللبناني جرى تحديده في المجمع البطريركي الماروني".
نتج من النداء الاول تأسيس "لقاء قرنة شهوان" الذي شكّل بحسب عبد الملك "علامة فارقة في تاريخنا السياسي الحديث، لأنه جمع تجارب وخبرات وحساسيات متنوعة، قرر اصحابها استخلاص العبر، وفتح صفحة جديدة قائمة على ثوابت الكنيسة الوطنية. تميز هذا اللقاء بإدارة حكيمة من المطران يوسف بشارة، وبرعاية كاملة من صفير الذي استضافه في 30 نيسان 2001 لاعلان وثيقته التأسيسية من صرح بكركي". في اعتبار عبد الملك ان "اللقاء ادار التنوع بين المسيحيين، وفي ما بينهم وبين شركائهم المسلمين، على قاعدة ثوابت الكنيسة الوطنية. فكانت تجربة رائدة في حياتنا الوطنية، ساهمت في توسيع مساحات التلاقي بين ابناء الوطن كافة، وهيأت الاجواء لاستكمال المصالحة الوطنية الشاملة، وتلاقي معظم مكوناته في أكبر انتفاضة شعبية في تاريخنا الحديث، انتفاضة الاستقلال، التي حصلت بعد اغتيال الرئيس السابق لمجلس الوزراء رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والتي عبّر، معظم الشعب اللبناني على اثرها، وفي شكل حضاري عن توحده حول ثوابته الوطنية. وكان من أهم نتائجها إقرار انشاء المحكمة الدولية لمعاقبة مرتكبي الاغتيالات في حق خيرة قادتنا، وحتى لا يبقى الاغتيال السياسي وسيلة لاسقاط حق الاختلاف في الرأي، وصولا الى خروج الجيش السوري من لبنان واستعادة السيادة الوطنية، وعودة الأمل في استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وخاصة متابعة بناء الدولة المدنية الحديثة".


الدويهي: صفير ينسحب من المشهد المسيحي
انتخب صفير بطريركا العام 1986، "عندما كانت بيروت الشرقية تخرج من آثار سقوط الاتفاق الثلاثي، وتعبث الحروب والفوضى على انواعها بالمناطق اللبنانية كافة. واجه بداية الفراغ الرئاسي، ثم مخاض ولادة اتفاق الطائف، ليعايش لاحقا الحرب الداخلية المدمرة التي تواجه فيها العماد ميشال عون و"القوات اللبنانية" بقيادة الدكتور سمير جعجع. فعمل ما في وسعه لإنقاذ ما يمكن انقاذه"، بحسب ما يقول الدويهي. لكن المفارقة ان المشهد الذي تكوّن العام 1988 بين صفير وعون وجعجع، غادره عون الى باريس وجعجع الى السجن وبقي صفير وحيدا يدافع عن الطائف ولبنان وعنهما. اما اليوم فيستقيل صفير وينسحب من المشهد الذي يبقى فيه عون وجعجع مع كل ما بينهما". اهمية صفير بحسب الدويهي انه "خالف مسيرته الكهنوتية وخدمته نائبا بطريركيا، وقد يكون اختير بطريركا لهذا "البروفيل". الا ان تراكم انجازاته، فاجأ الذين انتخبوه وقلب كل الرهانات عليه، فصار معجزة هذه الطائفة".
 في السياسة، تمسك صفير كما يقول الدويهي باتفاق الطائف، مبادئ مرتكزة على التزام مواثيق الجامعة العربية وميثاق الامم المتحدة والقرارات الدولية واتفاق الهدنة وجمع السلاح. ولم يجتزئ منها ما يلائم طبقة سياسية، دون اخرى، الغاء الطائفية السياسية مثلا. واعطى نكهة للحياة السياسية التي كانت معدومة بعدما رضخ السياسيون لتعديل الدستور ثلاث مرات، للتمديد للرئيس الياس الهراوي ولانتخاب الرئيس اميل لحود والتمديد له، مع العلم انه طُلب منه مرتين تسمية رئيس للجمهورية ابان الفراغين الرئاسيين ولم يؤخذ برأيه. ووقف وحده في وجه التغطية الاقليمية والدولية لدور سوريا في لبنان، بخلاف ما اتهم به بانه ينفذ مفكرة غربية، وكان الاضاءة الفريدة في المشهد السياسي حين كان اركان الطائف (السوري) يتقاتلون على الوزارات والمشاريع والحصص، ولا سيما بعد المقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية العام 1992 وخروج المسيحيين من الدولة".

هموم كثيرة رافقت صفير في مسيرته وطروحات عدة لا يمكن احدا ان يتخطاها بعد اليوم بحسب الدويهي "الطائف والمحكمة الدولية والعلاقة مع سوريا وسلاح حزب الله". اما همه الاكبر فهو الهجرة على انواعها. وهذا ملف يتابعه بالتفاصيل ويشغل باله ويشكل كما الوضع الديموغرافي هاجسا يوميا كان السبب الرئيسي في تكثيف رحلاته الخارجية ليبقى على اتصال دقيق بابناء طائفته واللبنانيين في بلاد الاغتراب".

سعد: رجل استراتيجيا وتكتيك
يقول كاتب سيرة البطريرك السادس والسبعين الزميل انطوان سعد الذي قرأ مدونات صفير ويومياته "ان البطريرك هو الرجل الذي كبرت معه بكركي. فهو صاحب وداعة وصلابة متميزتين. شجاع عندما يتعلق الامر به، لكنه يأخذ الامر بروية كبرى عندما يتعلق بمصائر الناس".
كتب صفير يومياته بتجرد تام منذ اللحظة الاولى. "كتبها للتاريخ وقائع وبتجرد كامل، انطلاقا من واجباته لانه تعاطى السياسة واجبا عليه هو المؤتمن على لبنان، من دون ان يتدخل فيها او يضفي عليها موقفه الشخصي او العاطفي".
يصف سعد صفير بانه رجل استراتيجيا وتكتيك "امتلك لديه من اليوم الاول لحبريته رؤية واضحة الى ان استعادة لبنان حريته واستقلاله لا يمكن ان تتم من دون وحدة وطنية تنزع الطابع الطائفي عن معارضة النفوذ السوري. وهو رجل تكتيكي، اتخذ خطوات منسجمة مع هذا الطرح. فعارض توجه "القوات اللبنانية" نحو الفيديرالية عندما اعتبرها المسلمون تقسيما. ورفض الاعتراف بشرعية حكومة العماد ميشال عون لأن ذلك يكرس ابتعاد المسيحيين عن المسلمين. ولم ينجر في خطاب طائفي يدافع فيه عن المسيحيين عندما بدأ مشروع تهميش المسيحيين العام 1992". 
تعرض صفير لحملات ظالمة من معظم الافرقاء وبالاخص المسيحيين. يقول سعد "ليس البطريرك من ينحاز الى فئة دون اخرى، انما الآخرون يقتربون من ثوابته او يبتعدون بحسب مصالحهم. هكذا حصل في تحديد نصاب جلسة الانتخاب الرئاسية، واقرار قانون الانتخاب العام 2000، وفي محاولة امرار "عهد الطفل في الاسلام" وفي التوازنات الادارية والسيادة اللبنانية وحصرية السلاح في يد الشرعية اللبنانية. اما القيادات المسيحية فنظرت الى صفير على انه عامل يساهم في تحقيق استراتيجيتها، اكثر مما سلمت بدوره الوطني والروحي الجامع. هكذا حصل عندما رفضت قيادات مسيحية في قوى 8 آذار، حققت الغالبية المسيحية في الانتخابات، اقتراحا لعقد مؤتمر مسيحي في بكركي، ومن ثم رفضت قيادات مسيحية في قوى 14 آذار مؤتمرا مماثلا لتوقيع الشرعة المسيحية، عندما تراجع موقع 8 آذار المسيحية شعبيا".

الاستقالة والمستقبل
لا شك في ان استقالة صفير قسمت مجددا المسيحيين بين مؤيد ومعارض. الا ان التاريخ كما قال السفير البابوي سابقا بابلو بوانتي "سينصف البطريرك صفير، و قد بدأ ينصفه". 
يقول سعيد ان "احدا لا يستطيع ان يعدل حرفا واحدا مما رسمه صفير. قد يتغير الاسلوب ولكن ليس الجوهر في سياسة عمرها مئات الاعوام. يكفي ان احدا من البطاركة لم يزر سوريا، وتاليا ان ما حققه صفير لن يقدر احد على تجاوزه او تخطيه".
يرى فرنجيه بدوره ان الفاتيكان لم يفهم تماما في الحقبة الاخيرة دور صفير خصوصا مع السفيرين البابويين الاخيرين والانغماس الاوروبي للبابا بينيديكتوس السادس عشر. 
ويوافق الدويهي فرنجيه بالقول ان "الفاتيكان لم يتفهم حديثا خصوصية دور صفير، قياسا على الخيبات التي عاشها المسيحيون في العالم العربي. فبكركي مع صفير صنعت مجد المسيحيين على المتوسط وشكلت نموذجا لقيادة دور رائد. ومن شارك في اعمال المجمع الشرقي لمسيحيّي الشرق يدرك التفاوت بين النظرتين الى واقع المسيحيين في لبنان والعالم العربي".
ويأسف كرم لان "البطريرك يترك السدة فيما الأخطار تحدق بلبنان نتيجة لعودة الأطماع، وفيما عواصف التغيير المفتوح على كل الاحتمالات تهز مرتكزات الدول العربية. ولطالما آلم البطريرك أن الطاقم السياسي لم يكن على قدر ما أنجز اللبنانيون في جهد رائد، ها هو يتكرر في طول العالم العربي وعرضه، طلبا للحرية والديموقراطية والعيش الكريم. ولكن على رغم التعب وثقل السنين يبقى أن ثقة البطريرك بمستقبل لبنان لا يضاهيها إلا إيمانه بكنيسته ومسيحه".
ويرى عبد الملك ان "الدور التاريخي للبطريرك صفير السياسي وضع من سيخلفه على الكرسي البطريركي امام تحديات كبيرة للمحافظة على الدور الذي اداه وعلى انجازاته العملاقة".
ويقول سعد: "عندما ارتأى صفير تلبية تمنيات الفاتيكان بالاستقالة كان يعبر عن تجرد تام وعن التزام كنسي، مع العلم انه كان في استطاعته ان يحذو حذو البطريرك الراحل مكسيموس الخامس حكيم عندما طلب منه الفاتيكان الاستقالة ولم يفعل وتوفي العام 2000 بطريركا. هو اليوم يشعر انه سلم الامانة الى الكنيسة الجامعة ليعود كاهنا يوجه روحيا وأخلاقيا". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق