السبت، 2 يوليو 2011

أن تكون مارونيًّا في هذا الزمن اللبنانيّ الرديء/ ماري القصيفي


قاديشا


أن تكون مارونيّاً في هذا الزمن اللبنانيّ الرديء لا يعني أنّك مرشّح دائم لرئاسة الجمهوريّة كما كان يخطر للبنانييّن كلّما دار الحديث عن الموارنة، فتغيّرات الأزمة وتقلّبات الدهر وأنانيّة أولي الأمر والصراع المارونيّ المارونيّ أدّت كلّها الى تعريف جديد للانتماء المارونيّ، لا يليق ويا للأسف الشديد بتاريخ هذه الطائفة ودورها في الصعد الحضاريّة المختلفة إن في لبنان او في العالم العربي او في العالم الغربي. فان تكون مارونياً اليوم يعني انك ستبيع ارضا ورثتها عن والدك لتقيم عرسا فخما لابنك، وانك ستتزوج وتطلق بعد اشهر ولن تنجب اولادا في هذا البلد "الخربان"، وانك لن تجرؤ على كتاب رواية واحدة من تاريخ طائفتك لانك تخشى من ان تتهم باثارة النعرات الطائفية، وانك الآن تحزم حقائبك للهجرة لانك لا تريد ان تعلق وسط صراعات اقليمية واصولية ودولية وداخلية.ان تكون مارونياً اليوم يعني انك محكوم بان تختار جهة مارونية واحدة من جهتين لا ثالث لهما، فانت مجبر على الاختيار بين الدكتور سمير جعجع وكل ما يمثله من ماض وحاضر ومستقبل، وبين العماد ميشال عون وكل ما يمثله من ماض وحاضر ومستقبل.(الآن وعند هذه الكلمة ثمة تساؤلات عند عدد من الموارنة الذين يقرأون هذا النص تدور حول الجهة التي أنتمي أنا اليها، فمجرّد وضع اسم من اسميّ الزعيمين المارونيين قبل الآخر قد يُفهم عند هذه الفئة او تلك بطريقة لن تخطر الا على بال موارنة هذا الزمن).

ان تكون مارونياً اليوم يعني انك محكوم منذ لحظة تكوّنك في احشاء أمّك باتخاذ منحى سياسي يحدّده الطبيب المولّد الذي اختاره والدك ولأية جهة سياسية ينتمي، ثم هناك مدير المدرسة، والكنيسة التي تذهب اليها يوم الاحد ومن سيلقي العظة الاسبوعية، والاغنية التي ستسمعها، والجامعة التي ستذهب اليها، والمحطات التلفزيونية والاذاعية اللتان تقولان الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.فعيد العلم الذي سنحتفل به قريبا ليس هو نفسه في مدرسة مارونية رئيسها عوني او قواتي، ففي الاولى سيصدح صوت جوليا باغنياتها الوطنية، وفي الثانية ستكون ماجدة الرومي نجمة الاحتفال. وفي خضم الخطب وهزج التلاميذ، ستقع الاعلام اللبنانية التي وزعتها البلديات السخية على الارض وسيدوسها الجميع ولن تجد من يرفعها اعلى من صوت المطربتين.وفي عيد الميلاد، ستجد المسيح مدفونا تحت مئات المصابيح ووسائل الزينة ذات الالوان السياسية التي تعلن مع سابق الاصرار والتصميم على ان الموارنة في هذا البيت الكريم مع الحكيم او مع الجنرال، "واللي مش عاجبو ما يجي لعنا عالعيد، حتى ولو كان المسيح نفسه".

لا يمكنك ان تكون بلا لون اذا كنت مارونياً، لا تستطيع ان تكون محايدا او غاضبا من الجميع، او ان تختار خطا ثالثا لا علاقة له بالخطين المتوازيين اللذين لن يلتقيا الا خارج مقاييس هذا الزمن الرديء، لان ذلك يعني انك لست مارونياً، او انك جبان لا تجرؤ على التعبير عن رأيك، او انك خبيث لا تريد ان تفصح عن ميولك، او انك خائن لا تعنيك مصلحة الطائفة ومصير المسيحيين في الشرق وصولا الى العالم كله. لا يمكنك ان تكون مع 14 آذار وتحتفل بعرسك عند الخوري سليم او جميل او عصام (طبعا هي اسماء وهمية، فالكهنة الموارنة يحملون حكما اسماء قديسين)، ولا يمكنك ان تكون مع 8 آذار وتقرأ صحيفة "النهار" او تفتح مواقعها على الانترنت كي لا ترتفع في احصاءات الجريدة نسبة الاقبال عليها. لا يمكنك ان تكون مارونياً على سنّة الحكيم وتنتقد البطريرك الماروني، وكذلك لا يمكنك ان تكون مارونياً تتشيع للجنرال وتنتقد السيد حسن نصرالله.فان تكون مارونياً اذاً يعني ان ثمة امورا كثيرة عليك ان تأخذها في الاعتبار (التي بليت بالعمى في هذه الطائفة) ولا تستطيع ان تتصرف كما يحلو لك او كأن الدنيا فالتة. ولذلك فأنت مجبر على اتخاذ جانب الحيطة والحذر في كل ما تفعله، فالجميع يراقبون تصرفاتك ليعلموا من ستنتخب في رابطة المعلمين (وستين سنة على التربية)، وعن اي دار نشر سيصدر كتابك (رحم الله الثقافة)، وفي اي جريدة تنشر مقالاتك (مسكينة حرية التعبير). انت ستحسب على احد مهما فعلت، ولن تنجو كماروني من تهمة الانحياز، ولا تحاول التهرب بالقول انا مع مار مارون، فقد يقول لك احد العونيين: انت معنا لان مار مارون اتى من سوريا، ولا تتذاكى وتقول انا مع الكنيسة لان احد القواتيين سيقول لك: أنت معنا اذاً لان الكنيسة في رأيه مع الحكيم. ورجاء لا تحاول الدخول في بحث تاريخي تحليلي نقدي لكلا القولين لانك ستكون كمن يغني في الطاحون.لو كانت في لبنان احصاءات علمية دقيقة وشفافة، لاكتشف الزعماء الموارنة المنقسمون بين الجنرال والحكيم، ولاكتشف رجال الدين المنقسمون بين 14 و8 آذار، ان نسبة الإدمان على مهدئات الاعصاب والمخدرات مرتفعة بين اتباعهم وابنائهم، وكذلك الانتحار والهجرة والطلاق والهجر وتدهور المستوى المعيشي والعنف المنزلي وتدني المستوى الدراسي وكل ذلك بسبب القلق على المصير، والخوف من المستقبل، والغموض في الرؤيا، والتخبط في الصراعات الداخلية، وانهيار المؤسسات الاستشفائية والتربوية والاجتماعية بسبب الفساد والفضائح الاخلاقية والادارية والسرقات والهدر وسوء التخطيط.

هل هذه هي المارونية النسكية التي انطلقت من اودية لبنان لتسمو على قممه؟ هل هذه هي رسالة الموارنة في هذا العالم: عهر واقتتال وفساد ومصالح فردية وعمالة وسطحية وجهل؟ وكيف يجرؤ الزعماء الموارنة على تناول القربان المقدس على مائدة خلاصية واحدة وما من احد منهم صالح اخاه قبل التقدم من مذبح الرب؟ وهل يجرؤ الكاهن الذي يؤنب مراهقة ترتدي ملابس متحررة اما جموع المصلين على النظر في عيون هواة الحرب والمناصب؟ هل هذه هي المارونية المشرقية التي تتنازل عن روحانيتها من اجل اسواق الاعلام والاعلان وتحاربك لانك لا تفهم لغة "السوق"؟ وهل هذه هي المارونية المتنورة المتحررة التي تتبرّأ من عقلها وتضطهدك لأنّك تفكّر؟اذا كانت هذه هي المارونيّة الجديدة، واذا كان لا كيان لي ولا وجود ولا رأي الا اذا كنت "محسوبة" على فريق (سياسي او طائفي او مذهبي او اقليمي او حزبي او عائلي او مناطقي او بلدي او صحافي او ادبي او ثقافي)، فانا اذاً انزل الحرم الكنسي بنفسي لانقذ هذه الطائفة مني...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق