الجمعة، 13 مايو 2011

مسيحيّو الشرق في مهبّ النيران العربيّة بقلم هيام القصيفي/ النهار


غياب المواكبة اللبنانية لأخطار التطورات
مسيحيو الشرق في مهبّ النيران العربية
القدّيس شربل


فيما يغرق لبنان في يوميات تأليف الحكومة، تنحو المنطقة العربية في اتجاه متغيرات جذرية تزداد خطورتها يومياً". ورغم ان الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في تونس ومصر فاليمن وسوريا كانت متفلتة من بذور طائفية وانحصرت في المطالب التغييرية، سرعان ما فرضت الاحداث "اجندة" مختلفة في اتجاه استهداف الوجود المسيحي، ولا سيما مع بدء المراكز والاعلام المتخصص بث ملفات عن الوجود المسيحي في الشرق، او بالاحرى عن تاريخ هذا الوجود. 
فالحريق الذي التهم كنيسة امبابا، لم يكن العمل الاول الذي يستهدف الاقباط، والاحداث الطائفية في مصر ليست طارئة، وآخرها ما حدث في نهاية عهد الرئيس حسني مبارك، حين هوجمت كنيسة القديسين في الاسكندرية ليلة رأس السنة. لكن حجم الادانات العربية الاخيرة وفي مقدمها تلك الصادرة عن السعودية، والردود الغربية، ومقالات الكتاب والصحافيين العرب، تكاد تكون الاولى من نوعها. وهي تطرح اسئلة عن النار الكامنة في رماد الاحداث العربية، وتنذر بمخاوف جدية عن وضع مسيحيي الشرق.
ولا يمكن عزل الحدث المصري والعنف الطائفي، عن سلسلة احداث بدأت ولم تنتهِ في العراق، حيث دفع العراقيون اثمانا متفاوتة بسبب العنف الذي انفجر بقوة على ارضهم. إلا ان مسيحيي العراق دفعوا ثمنا كاملا قتلا وتهجيرا وتخليا عن وطنهم وممتلكاتهم، وذهبوا في اتجاه دول الاغتراب والمنفى القريب والبعيد الذي صار يضم آلاف العائلات العراقية المسيحية. وحين اعتدي على كنيسة الاسكندرية، حاول الفاتيكان ابداء موقفه لكن مصر سارعت حينها الى رفض التدخل في شؤونها الداخلية. وظل الواقع المصري المسيحي مضبوط الايقاع، الى ان وقعت العملية الاخيرة. وخطورة التطور المصري، رغم مشاركة الاقباط في الانتفاضة على مبارك، انه جزء من حلقات بدأت تطول مسيحيي سوريا ايضا.
وتفيد معلومات موثوق بها، ينقلها عدد من المسيحيين السوريين الآتين حديثا الى لبنان، ان عددا من القرى المسيحية في المناطق الريفية المحاذية لطرطوس وبانياس، تشهد ليليا اطلاق نار وعمليات ترهيب وتخويف يومي. وحتى الآن بدأت العائلات الميسورة من مسيحيي سوريا وتلك التي تربطها صلات قربى بعائلات لبناية، بالمجيء الى لبنان.
ويروي الآتون تجارب مقلقة تعيشها هذه المناطق، لاثارة النظام السوري مخاوف من تطورات تنعكس على البنية المسيحية في هذه المناطق التي تشكل جزءا من وادي النصارى. ودقة ما ينقل، هو انه بعيد عن الحملات الاعلامية لكلا الطرفين المتصارعين في سوريا. فالاعلام السوري ينقل الرواية الرسمية عن مكافحة "الارهابيين"، فيما الجهات المعارضة تنقل روايات ومشاهد متلفزة للمتظاهرين وقمع الامن السوري لهم. صحيح ان الطرفين يتحدثان عن سقوط قتلى من المعسكرين، الا ان كليهما ينأى بنفسه عن الخوض في حديث عن الصراع المذهبي والطائفي الذي تشهده سوريا، رغم ان العارفين بجغرافية سوريا وتقسيمها الاجتماعي يدركون خطورة المواجهات وحساسيتها، حين يكون الامر متعلقا ببانياس او حمص او درعا وادلب، او بعض الاحياء الدمشقية. ويروي زوار سوريا اخيرا ان بعض المؤشرات تعكس بجدية مناخا مقلقا من حدة مذهبية، ينال المسيحيون قسطا منها، ولا سيما ان النظام السوري لا ينفك يشعرهم بأنه وحده قادر على تأمين حماية لهم. 
وقد بدأت اصوات لبنانية مقربة من سوريا تتحدث في هذا المنحى، ضاغطة في اتجاه التحذير من مغبة تفريط العالم الغربي بالنظام السوري خدمة لمشروع اصولي يدفع المسيحيون ثمنه كما حصل في فلسطين، ومن ثم العراق، ومصر اخيرا.
اما في لبنان، فثمة تساؤلات جدية عشية التحضير للقمة الروحية، وبعيدا عن شعارات "حوار الاديان واهمية مسيحيي الشرق"، عن امكان مواكبة لبنان عموما، ومسيحيا خصوصا، لحجم المتغيرات التي تعصف بالدول العربية التي تتغير انظمتها من دون ان يتغير استهداف المسيحيين فيها. وقياسا على التجربة اللبنانية مع المهاجرين العراقيين، التي انحصرت في حفلات ترفيهية لاطفال العائلات العراقية يوم عيد الميلاد، تدور في كواليس المتابعين هواجس حقيقية تبدو القوى المسيحية غائبة عنها. ولا تزال تتعامل مع ما يرسم لمسيحيي الشرق، بأقل مما هو مطلوب، فلا خطة عمل، ولا مواكبة جذرية على المستوى الديني او السياسي، لإمكان حدوث متحولات اكثر حدة، ليس على صعيد الهجرة المسيحية فحسب الى لبنان، انما في التفكير عاليا بما يمكن ان يكون عليه لبنان ومسيحيوه في خضم التحولات. وهذا امر تفتقده قاعة بكركي ومقر قرنة شهوان، فيما السياسيون غارقون في التفتيش عن جنس الملائكة لتولي الحقائب الوزارية. 
هيام القصيفي      


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق