السبت، 25 يونيو 2011

اختلاف الرؤية لانعكاس الأحداث السوريّة على المسيحيّين - هيام القصيفي



كلام الراعي في الفاتيكان فتح باب النقاش على مصراعيه
إختلاف الرؤية لانعكاس الاحداث السورية على المسيحيين

لمرتين متتاليتين اثار كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اول من امس في الفاتيكان حول ما سمّاه "التظاهرات والاعتراضات العربية"، وقبله بيان مجلس المطارنة الموارنة في الاول من حزيران عن "احداث امنية"، التباسات على مستويات كنسية وسياسية مختلفة. ففي ضوء الاحداث الخطيرة التي شهدها العالم العربي وتشهدها سوريا منذ نحو اربعة اشهر، ما اضطر الفاتيكان الى توجيه كلام لافت للقيادة السورية، يدور في لبنان نقاش جدي على خطين حول تداعيات الاحداث السورية ، ومستقبلها المجهول ، على وضع المسيحيين في لبنان وسوريا.

وبدا واضحا في الاسابيع الاخيرة ان ثمة كلاما يقوله بعض المسيحيين للمرة الاولى في تاريخهم الحديث يعبّرون فيه عن قلقهم من احتمالات التغيير في النظام السوري.
يدور النقاش حول فكرتين تقليديتين، لكنهما تصبان في روحية المنحى الخطر الذي يعيشه لبنان: هل بقاء النظام السوري الحالي اضمن للوجود المسيحي في لبنان وسوريا والذي سيصبح في خطر اذا ما حل محله نظام اسلامي اصولي؟ ام ان النظام العلماني البعثي كان مسؤولا عما حصل للبنان ومسيحييه، وتاليا فان اي تغيير فيه لن يكون انعكاسه اسوأ مما حصل حتى الان؟
تداول هاتين الفكرتين في المجتمعات الشعبية، تحول اخيرا مناقشات سياسية عميقة، بدأت تنعكس في التعاطي السياسي للفريقين المسيحيين في 8 و 14 آذار في ادارتهم للازمة الراهنة.
يتحدث العماد ميشال عون عن انعكاس زياراته لسوريا تباعا على وضع المسيحيين هناك وعلى تطور اوضاعهم، والآتون من سوريا يتحدثون عن اعتزام بعضهم الانضمام الى التظاهرات، وفي المقابل عن الخوف الذي يعيشه هؤلاء في خضم المأزق الذي يتعايشون معه. فهم اولا من ابناء النظام ومنضوون تحت لوائه امنيا وسياسيا. وقد عبر عن مخاوفهم ما قاله الاسبوع الفائت رئيس اساقفة دمشق للسريان الكاثوليك المطران غريغوريوس الياس طبي الذي عكس قلقا من مرحلة ما بعد الاسد وقيام نظام اصولي. لكنهم بقدر ما يلتصق بعضهم اليوم بالنظام حفاظا على مواقعهم تحت سقف التهديدات المتتالية، يمثل هاجس مسيحيي العراق همّا في صحنهم اليومي، ما يجعلهم يعيشون بين سندان النظام ومطرقة تهديداته
لكن وضع مسيحيي لبنان وسوريا وفق قيادات 8 آذار المسيحية، سيصبح في مأزق اذا سقط نظام الاسد وتحولت سوريا موطىء قدم للاسلام الاصولي ولو بالنموذج التركي “الاصولي كما يظهر من لباس زوجات الرئيسين عبدالله غول ورجب طيب اردوغان ووزير الخارجية داود اوغلو”، بحسب قيادي مسيحي في 8 آذار
وتتعاطى هذه القيادات مع ما يحصل في سوريا من زاوية انعكاسه على لبنان، وضرورة الافادة من الوضع الراهن لتعزيز وضع المسيحيين المنضوين تحت خط هذه القيادات في ظل الحكومة الجديدة. من هنا تصبح الاتصالات البعيدة عن الاضواء بين البطريرك الراعي والعماد عون، محط اهتمام. وتنظر قوى 14 آذار الى انضمام الرئيس ميشال سليمان الى هذه الاتصالات بقلق على انها محاولة لايجاد خط دفاع داخلي يهدف الى تعزيز ورقة المسيحيين المناوئين لقوى 14 آذار، كما حصل مع التجمعات التي كانت تقودها سوريا لمقارعة “قرنة شهوان”. 
وعلى خط قوى 14 آذار، توضح اوساط سياسية رفيعة فيها ان ثمة نقاشا مفتوحا ليس حول ما يجري في سوريا واحتمالاته فحسب، انما ايضا على مستوى مجاراة المسيحيين لهذه التطورات وكيفية تعاطي الشريك المسلم مع الهواجس والاسئلة التي يطرحها البعض علنا. وهذه النقاشات ليست طارئة اذ بدأت حتى مع دوائر الفاتيكان في لقاءات على مستوى عال تزامنا مع بدء الثورات العربية. مسيحيو 14 آذار، وبخلاف ما يمكن ان يتصوره البعض، لا يتوحدون تحت سقف واحد حيال رؤيتهم لانعكاس تدهور وضع النظام السوري - الذي عانوا منه جميعا - على المسيحيين. والاهم ان فريق 14 آذار فقد المظلة المسيحية الدينية التي كانت تتوج مقارعته لهذه المسائل سياسيا وفكريا، بعد استقالة البطريرك الماروني الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير الذي كان يتوج في القضايا الوطنية ما يُعتبر انه زبدة المواقف الوطنية ، الامر الذي كان يسمح لمسيحيي 14 آذار بالذهاب الى المناقشات مع الطرف الاخر تحت سقف بكركي. لكن الامور اختلفت مع الراعي، الذي اراد الذهاب منذ اليوم الاول لتفقد مسيحيي سوريا ولم يعترف بعد بخطورة ما يدور على ارضها. ومناقشات مجلس المطارنة الاخيرة كانت واضحة في هذا الاتجاه، وقد كرسها الراعي بحديثه في الفاتيكان وطرحه مخاوف من التقسيم والانظمة المتشددة طائفيا.
 اما سياسيا فالرئيس امين الجميل كان واضحا حين طرح هواجسه علنا في باريس، ويتقاطع مقربون منه في بعض التفاصيل مع ما يقوله عون حول الهواجس من نظام اصولي يمكن ان تكون سوريا مقبلة عليه.
فيما تنكفىء “القوات اللبنانية” عن الدخول العلني في نقاش مفتوح حول المسألة المذكورة، محكومة بهاجس الماضي والتجارب السيئة التي خبرتها مع النظام السوري واحتمالات عقد الصفقات في اللحظات الاخيرة على حسابها وتحولها كبش محرقة. وهي لا تقدم على رهانات لا حول النظام في ذاته ولا حول مستقبله
ومع ذلك تبقى النقاشات مفتوحة يجريها سياسيو 14 آذار ومثقفوها مع نظرائهم في تيار “المستقبل” حول اي صورة للاسلام يمكن ان يقدمها هذا الفريق، الاسلام المعتدل ام الاسلام الذي يظهر بين الفينة والاخرى في بيروت وطرابلس؟ وهل يحتاج الاسلام اللبناني الى النموذج التركي لتسويق نفسه ندا للنظام السوري وحاميا للتعددية في لبنان؟ الاجوبة عن هذه الاسئلة لا تحتاج الى جلسات نقاش بين المسلمين والمسيحيين، بل الى انطلاقة داخل اروقة المسيحيين انفسهم. وقد لا تكون لقاءات بكركي المقبلة هذه المرة كافية لطرح هذه الهواجس ما دام سيدها لم يعترف بعد بأن “الجمعات” الدامية في سوريا باتت أكبر من تظاهرة.

هيام القصيفي      



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق