الاثنين، 3 أكتوبر 2011


زينب الحصني تموت عن المسيحيّين بقلم الكاتبة ماري القصيفي 

زينب الحصني

القدّيسة رفقا شفيعة المتألّمين
أفهم أن يُطلب من المسيحيّين أن يموتوا في أرضهم لا أن يرحلوا عنها إن كان لا خيار آخر، أمّا أن يُطلب من زينب الحصني أن تتعذّب وتموت من أجل بقاء المسيحيّين في هذه الأرض فهذا ما لا يمكن أن أفهمه.
فإذا كان سقوط الأنظمة الديكتاتوريّة بقرار من الشعب ذي الأكثريّة الإسلاميّة، فأنا مع هذا الشعب، وإذا كان صعود الأنظمة الأصوليّة بقرار آخر من الشعب ذي الأكثريّة الإسلاميّة، فأنا أحترم إرادة هذا الشعب. وإن كان بقاء المسيحيين في هذا الشرق مشروط ببقاء شعب كامل تحت وطأة الظلم فلن أكون مسيحيّة – كما أفهم الديانة المسيحيّة - إن قبلت بأن يُعذّب سواي لأبقى، وأن يموت سواي لأبقى، وأن يُمثّل بجثّة سواي لأبقى.
وإذا كانت قيمة الشعوب تقاس بالكثرة، فليس المسلمون هم الذين منعوا المسيحيّين من الإنجاب وزيادة عددهم. وإذا كان التوسّع الجغرافيّ هو ميزان القوى، فلم أسمع بحكاية واحدة تؤكّد أنّ المسلمين أجبروا المسيحيّين (كلّ المسيحيّين) وفي كلّ الأقطار العربيّة على بيع أراضيهم، وإذا كانت وحدة الرأي هي الدليل على منعة الشعوب فلا علم لي بأنّ المسلمين هم الذين فتّتوا المسيحيّين مذاهب وشيعًا وأحزابًا وتيّارات ومطرانيّات وبطريركيّات. فلماذا إذا يجب أن تدفع زينب حياتها ثمنًا لبقائي في هذه الأرض، وكلّ القيّمين على هويّتي المسيحيّة المارونيّة من المسيحيّين بدءًا من الفاتيكان بيعوا بأرخص الأثمان أمّا الممانعون المعاندون فاغتيلوا أو أبعدوا؟
صحيح أنّ جوًّا عامًا من المخاوف انتشر في الشرق بين المسيحيّين، وأنا خائفة كذلك، ولكن لا أحد يريد أن يتذكّر أنّ إسرائيل منذ قيامها سهّلت، ولا تزال تفعل، هجرة المسيحيّين من فلسطين، وعرقلت رحيل المسلمين، بل حاصرتهم، في بيوتهم أو في سجونها، لا يعود هناك فرق بين البيت والسجن والأرض سليبة. ولا أحد يريد الاعتراف بأنّ الأصوليّات لم تحكم بعد حيث سقطت الأنظمة، ومع ذلك يريدون حربًا وقائيّة ضدّها وبناء على تكهّنات بنواياها، في حين أنّ الذين يُقتلون اليوم يؤكّدون أنّ النوايا ظهرت في الأفعال، وأنّ الشرق خلا من المسيحيّين - أو يكاد - في عهود ما قبل الأصوليّات. (غريب! ألم تكن العلمانيّة هي البعبع يوم أعدموا أنطون سعادة؟)
***
حين أصدرت كتابي "المورانة مرّوا من هنا" لم يكن الأمر "فشّة خلق" كما خيّل للبعض، أو تنفيسًا عن غضب شخصيّ وانفعال تجاه قضيّة تخصّني وحدي، علمًا أنّ أكثر نصوص الكتاب نشر قبل سنوات ومنذ أن بدأ الشرخ المارونيّ يهدّد هذا القطيع الصغير. ولم يتأخّر الوقت - مع الأسف – حتّى تبيّن أنّ القضايا الصغيرة تشكّل قضيّة عامّة وكبيرة وليس من السهل إيجاد الحلول لها في ضوء المعطيات الحاليّة. وبات المسيحيّون مهدّدين في بلدان الشرق بسبب تدخّلات أجنبيّة تتذرّع بالديمقراطيّة وأنظمة قمعيّة تتغطّى بالإسلام وانقسامات مسيحيّة تزداد حدّتها يومًا بعد يوم.
ليس من حقّ الطائفة المسيحيّة أن تتخلّى عن دماء زينب الحصني وأخواتها وأخوانها بحجّة خوف لا شيء حتّى اللحظة يؤكّد وجوده. ولنفرض أنّ الأمر كذلك، أليست المسيحيّة هي الموت عن الآخرين لا إماتة الآخرين عنها؟ أوليس الناس الأبرياء، ولو غير مسيحيّين، أغلى من الأرض ولو كانت أرض قداسة للمسيحيّين؟
فإن كانت الأنظمة التي ستنشأ عقب سقوط الأنظمة القائمة لن تريد المسيحيّين في هذا الشرق فلن يكون الأمر أسوأ ممّا هو الآن، وإن كان المسلمون لا يعرفون ويعترفون بأنّ المسيحيّ عربيّ أصيل لا ضيف ثقيل فلن تنفع جولات البطريرك المارونيّ وصولاته، وإن لم يصدّق المسيحيّون أوّلاً أنّهم أهل الأرض وحماتها وبُناتها والأمناء على تاريخها وحاضرها ومستقبلها فلن تنقذهم دول العالم التي تعمل أوّلاً وآخرًا من أجل مصالحها.
زينب الحصني وغيّاث مطر! مهما كانت "خطيئتكما" عظيمة فليكن دمكما نهاية درب الآلام التي يمشيها شعبكما، ولتكن قيامة سورية، بمسيحيّيها ومسلميها، فصحكما المجيد. أمّا بقاء المسيحيّ في أرضه فأمر يتحمّل مسؤوليّته هو وكنيسته المحليّة قبل الآخرين ومعهم ولكن ليس بعدهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق