الخميس، 22 سبتمبر 2011

تأخّر مأسسة الكنيسة ورفض الموافقة على أسماء مطارنة اتصالات خارجية لحصر تداعيات كلام الراعي

كتبت هيام القصيفي - النهار - الأربعاء 21 أيلول 2011


في 15 كانون الثاني الماضي قال عميد مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري خلال تكريسه الكاتدرائية اللاتينية في حلب، ان سوريا "مثال يحتذى في الترابط بين ابناء مجتمعها". كرست تلك العبارة التحول في نظرة الفاتيكان الى مستقبل المسيحيين في الشرق الاوسط، بخلاف النظرة التي سادت في حقبة البابا البولوني الراحل يوحنا بولس الثاني. فتح ساندري الباب امام الاجتهادات داخل الكنيسة المارونية والرهبانيات التابعة لسلطة روما، ليتكرس التحول الفاتيكاني الذي كان بوشر به بالطلب من البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الاستقالة، واشراف ساندري على اختيار خليفته البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
تزامنت احداث سوريا مع وصول بطريرك جديد الى سدة بكركي، لكن الخطاب الفاتيكاني والبطريركي الماروني لم يواكب التحول السوري، الى ان جاء موقف البابا حاسما حيال العنف الذي يمارسه النظام السوري على شعبه. في المقابل ظل ساندري على حذره فتمنى في حزيران الماضي ان يكون الربيع العربي "مصدر رجاء، وإنما ينبغي عليه أن يحترم كرامة الانسان، وخصوصا الحرية الدينية".
عند هذا المفترق حصل التباين في لبنان بين توجهين حيال النظرة الى سوريا، وتبعا لذلك تكرس الافتراق حول مختلف المواضيع الخلافية وابرزها سلاح  "حزب الله" والموقف من المحكمة الدولية. لكن هذا التباين ظل محكوما بسقف لبناني سياسي، الى ان جاءت مواقف الراعي قبل زيارة باريس وبعدها، لتضع الوضع الداخلي في مرتبة ثانية امام النظرة الشمولية الى وضع مسيحيي لبنان والشرق الاوسط. ويكمن جوهر التباين الراهن في انه لا ينحصر في دوائر لبنانية بعينها خاضعة لمزاج القادة السياسيين من 8 و14 آذار، بل تخطتها الى المجمع الشرقي الفاتيكاني الذي ينقل متصلون بدوائر فاعلة فيه ان النقاشات بدأت تنحو جديا نحو الخيارات التي اتخذها ساندري سابقا، ليس على مستوى لبنان فحسب انما ايضا على مستوى الشرق الاوسط، في كيفية مقاربة المسألة المسيحية المشرقية برمتها. ولا تنفصل بطبيعة الحال، بحسب زوار الفاتيكان شبه الدائمين، النقاشات التي تصل احيانا الى حد الصراع بين قوى النفوذ في الكرسي الرسولي، عن التأثيرات الديبلوماسية الاوروبية والاميركية. تماما كما حصل بعد زيارة الراعي الى باريس، من خلال ما مارسته الخارجية الفرنسية بقيادة الوزير الان جوبيه صاحب الموقف الصارم من سوريا والمؤيد تقليديا لبكركي ايام كان يلتقي صفير ابان الصراع مع دمشق. وينقل سياسي لبناني قريب من السفير الفرنسي دوني بييتون ان تعديل موقفه من زيارة الراعي جاء بناء على قرار واضح من الاليزيه وليس الكي دورسيه وحده.
وتتقاطع معلومات دوائر روحية مارونية مع ما نقل الى سياسيين غير مسيحيين ان الملاحظات التي قدمت الى الفاتيكان تتناول ثلاثة مستويات: الاول العلاقة بين مسيحيي لبنان والعالم العربي. وعلى هذا المستوى فان ما ذكره الراعي عن السنّة لا يصب في خانة مسيحيي سوريا (موارنة سوريا هم اقلية) ولا مسيحيي المنطقة العربية عموما. والقرار الذي كان اتخذ بتحييد الراعي يتغير تحت وطأة اصراره على مواقفه. وهذا الامر لا ينحصر بلبنان، وتكفي متابعة بيانات المثقفين السوريين وقادة المعارضة والصحف السعودية والخليجية ومقالاتها واخبارها عن الراعي، لفهم حقيقة ما خلّفه كلامه. والتطور الابرز جاء اخيرا بحسب معلومات لبنانية عن اتصالات فاتيكانية - سعودية وزيارة وفد فاتيكاني الى الرياض لحصر اضرار الكلام الماروني اللبناني وتأثيراته على مسيحيي الخليج سكانا وعمالا، وخصوصا انه سبق للبابا الحالي بينيديكتوس الـ16 ان اختبر ردود الفعل على كلامه حول المسلمين في احدى الخطب الدينية بعد تنصيبه.
اما المستوى الثاني فيرتبط بزيارة الراعي الى بعلبك حيث حل ضيفا في حمى "حزب الله" الذي يسعى المجتمع الدولي الى تقديم افراد منه الى المحكمة الدولية، ونيته زيارة الشريك الشيعي الآخر في الجنوب، الامر الذي ما يفاقم ازمة الثقة بين بكركي والشريك السني لبنانيا وعربيا.
والمستوى الثالث يتعلق بالشأن الماروني الداخلي لأن الفاتيكان قدم الراعي على قاعدة انه يمهد لمأسسة الكنيسة ويبعدها عن الصراعات السياسية. ولكن بعد مضي سبعة اشهر، صارت بكركي في قلب الصراع السياسي الحاد، الذي يترجم خلال جولة الراعي الاميركية المقبلة وسط تأكيد ممثلي الجاليات من قوى 14 آذار نيتهم مقاطعته، والتأخير المتعمد بإبلاغ بكركي تحديد مواعيد رسمية للراعي مع المسؤولين الاميركيين، والتي كان يفترض تحديدها قبل اسبوعين. وكذلك لم يسجل اي تقدم في ادارة الكنيسة الجامعة، لا بل ان الفاتيكان لم يوافق الا على سيامة مطرانين مشهود لهما هما كميل زيدان وحنا علوان. في حين ان لديه ملاحظات "مسلكية" على بعض اسماء رفعت اليه، ولن يكون في مقدوره الموافقة على الاسماء الاخرى، مما يجعل تأخير الموافقات الاخرى دفعة واحدة الى السنة المقبلة امرا ممكنا
هيام القصيفي    
hiyam.kossayfi@annahar.com.lb     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق