الأحد، 25 سبتمبر 2011

عفواً غبطة البطريرك بقلم هاني نصولي




أسفنا للخطوط الفاصلة التي رسمها غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي على خريطة الوطن العربي، شاطراً شعوب المنطقة بين أقليات وأكثرية. وبتنا نشارك غبطته هواجسه على مستقبل مسيحيي سوريا، الذين يشكلون 10% من مجموع السكان. فبمجرد إعلان البطريرك الماروني تعاطفه مع نظام الاسد اقحم المسيحيين عن غير قصد، في آتون الصراع الدموي الدائر بين النظام والشعب، على رغم اصغاء غبطته لرؤية الرئيس الفرنسي ساركوزي "أن نظام الرئيس السوري انتهى"!لقد تنبأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بتحوّل الثورة السورية الى حرب أهلية بين الطائفة العلوية التي تشكل 9% والطائفة السنية التي تشكل 74% من سكان سوريا البالغ عددهم ما يقارب 23 مليوناً. تلك الحرب المتوقع لها ان تطول، كما حصل في لبنان إبان الحرب الاهلية عام 1975 التي دامت 15 عاماً، حيث تخللتها مواجهات بين القوى العظمى التي استخدمتها ساحة. ألم يؤكد النائب وليد جنبلاط في احدى مقابلاته، ان حرب الجبل عام 1983 "كانت نتيجة لثلاثة قرارات التقت في وقت واحد. قرار اتخذته انا وقرار سوري وقرار سوفياتي". من هنا أطرح تساؤلي: ما الحكمة من دفع المسيحيين الى الحريق السوري، بدل أخذ جانب الحياد الحذر؟عتبنا على البطريرك ان غبطته يستند الى نظرة دينية مبسّطة لاستخلاص العبر من احداث منطقة شديدة التعقيد. فهو يشير دائماً الى سقوط الضحايا والهجرة المسيحية الكثيفة من العراق، من دون الاشارة الى مئات آلاف الضحايا غير المسيحية التي سقطت او هاجرت، ما يدفعنا الاّ نستغرب وصف غبطته الثورات العربية بـ"المؤامرة" او استخدامه تعبير "التطرف" لوصف الاسلام السني. لكننا نسأل غبطته: هل يوجد تطرّف أفظع من تعذيب اطفال درعا وتكسير اصابع الرسام الكاريكاتوري على فرزات واقتلاع حنجرة مطرب الثورة السورية ابرهيم قاشوش والسفك اليومي لدماء المتظاهرين المسالمين منذ ستة اشهر؟بصراحة، لا نلمح في الخطوط التي رسمها غبطته النهج السليم للمحافظة على الوجود المسيحي في الشرق. انما يجب رسم الخطوط الفاصلة بين من يقف الى جانب الانظمة الديموقراطية، وبين من هو مع الانظمة الديكتاتورية. فخطوط الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان والرأي الآخر، هي الخطوط الصحيحة التي تحرر الطوائف المسيحية وغير المسيحية من عقدة الاقليات وتضعهم في موقع الشركة الكاملة. أليس المسلم القارئ قيم العالم الحرّ أقرب الى أخيه المسيحي الحر، منه الى المسلم المستأثر بمفاهيم الاستبداد والاستعباد والديكتاتورية؟صفقنا طويلاً لانهيار الانظمة الديكتاتورية في العالم العربي، على رغم أنها تتصل بالاسلام السني، ولم يراع اي منا طائفة الحاكم المستبد او مذهبه. فالديكتاتوريات العربية بمن فيها النظام السوري، هي الآفة التي تكبح شعوب المنطقة الخروج من ظلام القرون الوسطى الدامس. فهل يرضى غبطته ان تستمر الشعوب في الشرق ترزح تحت ظلم الجزمة العسكرية ورعب الاجهزة الامنية والتعذيب البربري والتصفية الجسدية والمعتقلات السرية وعبادة الشخصية ونظرية القائد الخالد الى الابد، حتى تستشعر الاقليات ببعض الراحة؟لا نعتقد ان تمسّك البطريرك بترسانة "حزب الله" العسكرية تولّد عن حاجة المسيحيين الملحّة الى تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة. فلو كان الامر كذلك لأصر غبطته على مطالبة النظام السوري بترسيم حدود مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مع لبنان قبل اي شيء، بل ان تمسّك غبطته بسلاح "حزب الله" ووقوفه الى جانب نظام الاسد، يقع ضمن سياق نظرية تحالف الاقليات ضد الاكثرية السنية في الشرق. وهذا في حد ذاته يضاعف خطر الصدام بين السنّة والشيعة على حساب إنهاء الوجود المسيحي. فهل هكذا تُبنى الشركة والمحبة؟الخطورة تأتي ايضاً من اعتقاد غبطته بأن سلاح "حزب الله" يمنع توطين اللاجئين الفلسطينيين، ما يُشرّع ابواب التسليح لاية جهة تزعم رفضها للتوطين، أكانت لبنانية أم فلسطينية، وهذا ما يخشاه اللبنانيون. الا يجدر بغبطة البطريرك التروّي قليلاً ثم تصويب خطوطه الفاصلة بين الاقتناع بأن الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان والرأي الآخر، هي خطوط النجاة للوجود المسيحي وغير المسيحي في لبنان والعالم العربي والشرق؟
هاني النصولي      

هناك تعليق واحد: