الاثنين، 24 يناير 2011

الفاتيكان وحماية المسيحيّين للأب جورج مسّوح

القدّيس شربل - أوّل قدّيس في الطائفة المارونيّة
 بعد التفجيرين اللذين استهدفا كنيسة سيّدة النجاة في بغداد وكنيسة القدّيسين في الإسكندريّة، عادت إلى الظهور مسألة "حماية الأقلّيّات المسيحيّة في العالم الإسلاميّ". وقد أثارت تصريحات البابا بنيديكتوس السادس عشر، الذي طالب حكومات الشرق الأوسط بحماية هذه "الأقلّيّات"، موجات من الاستهجان لدى الأوساط الحاكمة والمؤسّسات الدينيّة الخاضعة لها وبعض المفكّرين الدينيّين والمعلّقين الصحافيّين، إلى حدّ استدعاء الدولة المصريّة سفيرتها لدى الفاتيكان اعتراضًا على تصريحات البابا التي مسّت بسيادة الدولة المصريّة، وفق رأيها.
لا عجب في أن تتصرّف الدولة المصريّة كما يحلو لها ذودًا عن "سيادتها" على أراضيها، وإن قصّرت في أداء مهمّتها الأساسيّة في منع الاعتداءات الإرهابيّة التي تستهدف حياة المواطنين وأمنهم. بيد أنّ العجب يكمن في ما اعتبره شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيّب، "تدخّلاً (من البابا) في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة والإسلاميّة". ويرفض شيخ الأزهر هذا التدخّل البابويّ، معتبرًا أنّ "حماية المسيحيّين شأن داخليّ تتكفّل به حكوماتهم باعتبارهم مواطنين لهم كلّ الحقوق، شأنهم في ذلك شأن سائر مواطنيهم". حسنٌ أن يذكّر شيخ الأزهر بواجب الحكومات في حماية مواطنيها كافّة. غير أنّه يتعامل مع البابا، القائد الروحيّ لغالبيّة المسيحيّين في العالم، بمعزل عن صفته الدينيّة، معتبرًا تضامنه مع إخوته في الإيمان تدخّلاً في شؤون الدول العربيّة والإسلاميّة. فهل المطلوب من البابا أن يصمت على ما يتعرّض له المسيحيّون من مشكلات جدّيّة تدفع ببعضهم إلى الكفر بالتعايش الإسلاميّ المسيحيّ وإلى الهجرة النهائيّة من بلادهم؟ لماذا يحوّل شيخ الأزهر اللوم من حيث ينبغي أن يوجّه إلى حيث لا ينبغي؟ وهل سيصمت شيخ الأزهر إن تعرّضت إحدى "الأقلّيّات" الإسلاميّة لعمليّات إرهابيّة، أم سيعلو صوته مطالبًا بحمايتها والمحافظة عليها؟ غير أنّ بعضهم ذهب إلى إدراج موقف البابا من "حماية الاقلّيّات المسيحيّة" في إطار المؤامرات التي تستهدف الدول العربيّة والقضيّة الفلسطينيّة. فعبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العامّ للمنظمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو، يعتبر أنّ موقف البابا منحاز إلى "إسرائيل والصهيونيّة"، وموقفه يخدم "السياسة الاستعماريّة الجديدة التي تلتحف بالعباءة الدينيّة، كما في زمن الحروب الصليبيّة". كما يعتبر التويجري أنّ الفاتيكان والدول الغربيّة المسيحيّة تسعى إلى "فرض الوصاية على المواطنين المسيحيّين في دول العالم الإسلاميّ تحت دعوى حماية الأقلّيّات المسيحيّة" (صحيفة الحياة، 18 كانون الثاني 2011). يتهم التويجري البابا بالانحياز إلى إسرائيل والصهيونيّة، فيما يهاجم القادة الإسرائيليّون الفاتيكان لانحيازه إلى الشعب الفلسطينيّ. فسينودوس الشرق الأوسط، الذي هاجمه التويجري، أدان الاحتلال الإسرائيليّ وذكّر بمعاناة الفلسطينيّين اليوميّة من نتائج هذا الاحتلال: "الحدّ من الحركة، والجدار الفاصل والحواجز العسكريّة، والأسرى وتدمير البيوت واضطراب الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة وآلاف اللاجئين".
أمّا بالنسبة إلى القدس، فيدين السينودس "الإجراءات الأحاديّة الجانب التي تهدّد وضعها وتوشك أن تبدّل التوازن السكّانيّ فيها". كما طالب السينودس بوضع حدّ للاحتلال الإسرئيليّ عبر تنفيذ قرارات الأمم المتّحدة كي يتمكّن الشعب الفلسطينيّ من أن "يكون له وطن مستقلّ وسيّد، وأن يعيش فيه بكرامة واستقرار". أمّا بالنسبة إلى اتّهام التويجري الفاتيكان بخدمة "السياسة الاستعماريّة التي تلتحف بالعباءة الدينيّة، كما في زمن الحروب الصليبيّة"، فانه يتناسى مواقف الفاتيكان إبّان غزو العراق حين أدان الحرب ضدّ العراق في حين أيّدته معظم الدول العربيّة، وعلى رأسها حكومته الملكيّة.
ويتناسى التويجري أيضًا موقف الفاتيكان ضدّ الحرب الإسرائيليّة على غزّة، فيما أقفلت مصر معبر رفح مانعةً المعونة عن إخوانها في الدين. وأين كان التويجري حين استقبل شيخ الأزهر السابق الرئيس الإسرائيليّ شيمون بيريز، مجرم الحرب، في حين أنّ البابا شنودة يرفض أيّ تطبيع مع الإسرائيليّين قبل تحرير القدس؟ ثمّ نريد تذكير التويجري كذلك بأنّ الغرب ليس في حاجة إلى ذرائع دينيّة لشنّ "حروب صليبيّة" بمؤازرة الفاتيكان ضدّ العالم الإسلاميّ، ذلك لأنّ معظم الأنظمة في العالم الإسلاميّ خاضعة للسياسات الأميركيّة وتنفّذ مشيئتها من دون أيّ اعتراض.
يدرك المسيحيّون المشرقيّون أنّهم مدعوون إلى أداء الشهادة في أوطانهم مهما قست الظروف وانقلب الدهر عليهم. وهم لا يعتبرون أنفسهم "أقلّيّات" لأنّهم أبناء البلد وشركاء كاملون في صنع مستقبل مجتمعاتهم. وهم ليسوا دمًى في يد أحد حتّى يحكى عن "وصاية" غربيّة عليهم بدعوى "حماية الأقلّيّات المسيحيّة". لذلك يرون في موقف البابا موقفًا أصيلاً لقائد روحيّ يتضامن مع أبنائه وإخوانه في الإيمان، وتذكيرًا لمن له أذنان كي يسمع.
جريدة النهار – الأحد 24 كانون الثاني 2011

هناك تعليق واحد: