الثلاثاء، 25 يناير 2011

السلطة جمرة حارقة للصحافيّ ساطع نور الدين



الصحافيّ ساطع نور الدين

حزب الله يحكم لبنان. هو الذي يسقط الحكومات وهو الذي يشكلها. الانتقال إلى هذا الدور ليس عابراً ولا تفصيلاً. ولا يعزى فقط إلى حاجة المقاومة للدفاع عن نفسها، ولا ينسب فقط إلى رغبتها في تغليب هوية لبنانية متنازع عليها. هو يؤسس لتحول جذري في التركيبة اللبنانية، وتطور تاريخي في علاقة الطائفة الشيعية مع الدولة والكيان، وتدهور تاريخي أيضا في علاقة بقية الطوائف، لا سيما الطائفة السنية، مع ذلك الكيان وتلك الدولة اللذين ورثتهما من المسيحيين ولم تستطع المحافظة عليهما في شكلهما التقليدي، التأسيسي الأول. ومهما كان صوت حلفاء الداخل مدوياً وصوت حلفاء الخارج خافتاً، فإنه انقلاب شيعي لا لبس فيه، وسيكون له صدى عميق في وعي وجدان الشيعة الحافل بذكريات الاضطهاد والحرمان والحداد، وفي نظرتهم الى المستقبل اللبناني الذي لن تظل فيه المواجهة مع إسرائيل الناظم الوحيد للحكم، ولا المعيار الوحيد للوطنية اللبنانية.. وهي في الأصل لم تكن مبنية على التناقض الجوهري مع المشروع الصهيوني، برغم بعض النظريات المسيحية القديمة التي سقطت من ذاكرة المسيحيين منذ زمن بعيد، ولم تسجل في ذاكرة المسلمين في أي يوم من الأيام. حتى ما قبل إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، كان حزب الله يستهوي صفة المعارضة مع أنه كان شريكاً فاعلاً في الحكم، حصل قبل عامين على حق النقض بالثلث المعطل. ها هو اليوم يرتقي إلى مرتبة الحاكم الأوحد والمسؤول الأول الذي ستلقى على عاتقه للمرة الأولى في تجربته أعباء السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية، والأهم من ذلك السياسة الخارجية التي طالما كانت مكمن لبنان الدائم ومقتل اللبنانيين الأكيد ومصدر حروبهم الأهلية التي لا تنتهي. يمكن، بل يرجح أن يختار الحزب البقاء خارج الحكومة المقبلة، وأن يوزع حقائبها الشيعية على آخرين من غير الحزبيين، لكنه لن ينجو من الحساب ولا من العقاب اللاحق لأي حاكم... خصوصا إذا كان معارضوه يشكلون جبهة محلية وإقليمية ودولية متراصة، تتمتع بغالبية ساحقة وبغلبة حاسمة على الشريكين السوري والإيراني، اللذين لا بد أنهما يدركان أكثر من حليفهما اللبناني خطورة الخضوع لامتحان السلطة اللبنانية المتقلبة في هذه المرحلة بالذات. إطلاق صفة الحاكم على حزب الله، من الان فصاعدا، قد لا يكون تحضيرا لانقلاب مضاد. ربما كان هذا هو المرغوب من قبل خصومه المحليين والخارجيين الذين يقدرون أن السلطة جمرة حارقة، ويؤكدون أنها لن تلغي المحكمة الدولية بل هي ستكسبها زخما إضافيا، ويجزمون في أن الحكومة المقبلة لن تكون قادرة على الصمود في وجه الأحكام الأولى المرتقب صدورها من لاهاي خلال الأشهر القليلة المقبلة. لعل لدى الحزب تصوراً جديداً عن حكم لبنان، وفكرة مبتكرة عن طريقة إدارته، والأهم من كل ذلك، صيغة سحرية لإبطال المحكمة الدولية، التي كان يمكن استردادها بسهولة فائقة وبغير مثل هذا الأسلوب الانقلابي، وتفادي الكثير من الأضرار المعنوية والسياسية الفادحة، لا بالمقاومة وحدها بل بالبلد بأسره. امتحان السلطة بدأ للتو.
صحيفة السفير - الثلاثاء 25 كانون الثاني 2011 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق