الجمعة، 28 يناير 2011

المسيحيّون أمام لحظة الحقيقة بقلم دنيز عطاالله

الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير

التلطي السياسي خلف «الكتلتين» السنية والشيعية غير كاف للإيحاء بالفاعلية
المسيحيون أمام لحظة الحقيقة: هل من رؤية أو استراتيجية؟
جريدة السفير 19/ 1/ 2011
***
يوم أعلن عن استقالة الحكومة من الرابية لم ينطل على أحد الدور المضخّم الذي أُعطي لـ«التيار الوطني الحر» وزعيمه ميشال عون. ومع ذلك، فقد لاقت الخطوة استحسانا لجهة إضفاء الطابع السياسي البحت على المواجهة التي يخوضها «حزب الله» وحلفاؤه في الداخل والخارج، في وجه المحكمة الدولية. فلا أحد يرغب في أن تتحول المواجهة الى فتنة شيعية - سنية قد يُعرف من أين تبدأ، لكن الاكيد أن أحدا لا يعرف أين تنتهي. وقابلت «كتلة المستقبل» الموضوع بالمثل، في الليلة نفسها، فاختارت الاحتماء خلف لافتة «قوى 14 آذار» وتفعيلها لتخوض عبرها مواجهتها دفاعا عن المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي.

تواطأ الطرفان (السني والشيعي )، إيجابا، على تحميل المواجهة أبعادا سياسية قد تعكس خلافات جوهرية في النظرة الى لبنان ودوره ومستقبله، لكنها تبقى ضمن إطار الخلاف السياسي. على هذا الاساس يُفترض أن يملك الطرفان المتواجهان رؤية لما يريدانه وما يرفضانه، وحدا أدنى من خارطة طريق للوصول الى ما يطمحان اليه.
لكن هل يعرف الشركاء المسيحيون في المقلبين ماذا يريدون؟ هل لديهم أجندة وأولويات تكتيكية؟ هل يملكون رؤية استراتيجية؟ هل هم شركاء في التفكير والتخطيط والتنفيذ؟ هل لديهم هواجس؟ الى أي حد يشاركون في القرار؟ هل ينظرون فقط الى مصالحهم كأفراد أو أحزاب في هذا التحالف أو ذاك؟ أين «لبنانهم» الذي جاهد من سبقهم الى خلقه، ولو وهماً، في الوجدان؟ واذا كان صراع الطائفتين الكبيرتين السنية والشيعية يأخذ، في أحد وجوهه، صراع نفوذ وسلطة وإقليم وخيارات في البلد وعليه فأي صراع يخوضه المسيحيون خلف هاتين الطائفتين أو في مقدمتهما؟

يدافع الفريقان عن خياراتهما السياسية ويكرران تقريبا كلاما مشابها.
فحلفاء «حزب الله» في «التيار الحر» و«المردة» يعتبرون أنهم يجسدون «عقلانية مسيحيي هذا الشرق ورسالتهم في الوقت نفسه. فنحن من دعاة التعايش والانفتاح على محيطنا العربي والشــراكة الكاملة مع اللبناني المسلم من منطلق الندية والوطنــية». ويؤكــدون «نحن شركاء كاملون في فريقنا. والنقــاش داخل هذا الفــريق جدي وصريح. نختلف ونتفق كأي مجموعات حرة مســتقلة برأيها، مدركة لخياراتها. لكننا نتفــق على الاستراتيجــية وعلى رؤيتنا للبنان المستقل البعيد عن الفساد والرهانــات الخارجية».
بدورهم، مسيحيو «14 آذار» يعتبرون «ان أهم إنجاز حققته «14 آذار» انها جعلت المسلم اللبناني ينخرط في فكرة المسيحيين عن لبنان. فيصبح لبنان اولا بالنسبة اليهم ويتم تكريس المناصفة كواحدا من بنود الشراكة الفعلية والعملية. ونحن وشركاؤنا لا نملك أي مشروع خارج الدولة اللبنانية ومؤسساتها. ولا نملك أي التزامات خارجية تتعارض مع مصلحة لبنان ودوره ومفهومنا لهذا الدور».
لكن ماذا عن اليوم؟ كيف سيتصرف كل من الفريقين في هذه الازمة؟ هل يملك أي منهما تصورا أو طرحا جامعا قد يلتقي عنده الطرفان؟ تتكرر الإجابات نفسها عند الطرفين وان بلغة مختلفة. لكن خلاصتها أنهما يخوضان المواجهة حتى نهايتها، كل فريق في معسكره ومزايد عليه. ووسط هذه الاجواء تأتي استقالة البطريرك نصر الله صفير لترخي بظلالها على الواقع المسيحي المأزوم. وقع الاستقالة ثقيل على مسيحيي 14 آذار. وهم يفكرون في حركة شعبية ما لتثني البطريرك عن موقفه، خصوصا في هذه الفترة. لكن البطريرك مصّر. وهو ما يريح المعارضة المسيحية التي تراهن على أن «أي بطريرك جديد، حتى لو كان قريبا من عقلية صفير، سيكون أكثر إنصافا معنا، أقله في المرحلة الأولى». ومع ذلك فإن استقالة صفير لا تلغي تأثيره على الأحداث اليوم، كما لا تلغي أهمية رأي الكنيسة في أداء السياسيين المسيحيين. في الخطوط العريضة، يجمع الاساقفة الموارنة على انتقاد سلوكيات السياسيين المسيحيين. لكن عند الدخول في التفاصيل، تتوزع ميولهم بين فريق وآخر وان كان الأساقفة الذين يشــاركــون البطــريرك الهــوى السياسي هم الأغلبية.
ويسأل أحد الأساقفة المرشحين لـ«كرسي انطاكية وسائر المشرق»: «لماذا يعجز المسيحيون عن التوافق على حد أدنى من صورة البلد الذي يريدونه، ولماذا نشعر أن كل فريق منهم يريد أن يلغي الآخر». وحول إمكان التحرك المسيحي على الأرض، يستهجن الأسقف هذا الكلام معلقا أن البلد «لا يحتمل أي خضات أمنية. الاعتراض في الشارع يكون ضد حكومة أو سلطة قائمة. اليوم البلد مشلول والحكومة مستقيلة. في وجه من سيكون التحرك؟ المجتمع الدولي؟ ما هذه المغامرات غير المحسوبة؟ ليتعظ المسيحيون من أخطائهم وليسهموا في إيجاد قواسم مشتركة يلتقي عليها الجميع مسيحيين ومسلمين. عندها يكونون رسل محبة وشهودا للحق والخميرة، التي على قلتها، تخمّر العجين. وكل ما سوى ذلك من تحريض هنا لفريق وتحريض مقابل هناك لا يؤدي إلا للقضاء على ما تبقى من أمل في قلوب الشباب وإيمان بوطنهم».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق