الأحد، 30 يناير 2011

الغناء السرياني من سومر إلى زالين ودور الكنيسة بقلم نظام مارديني


المستقبل - الثلاثاء 24 آذار 2009 - العدد 3256 - ثقافة و فنون - صفحة 18
****
يشكل كتاب "الغناء السرياني من سومر الى زالين" للباحث في التراث جوزيف أسمر ملكي، مدماكاً مهماً في تاريخ هذه البلاد، وهو عودة الى النبع الذي منه يستقي شعبنا موروثه الموسيقي والغنائي. يؤرخ الباحث ملكي موضوعه برؤية توثيقية تبدأ من سومر وأكاد حيث وضعت أصول الموسيقى، والغناء، والرقص، والاحتفالات الدينية الشعبية، وقد ظهرت أورنينا كسيدة المغنين في معابد مدينة ماري. وبهذا المعنى جاءت الموسيقى السريانية امتداداً لهذه الحضارة العظيمة، وكانت قد وصلت هذه الموسيقى الى درجة عالية من الرقي المعنوي في العهد البابلي عام (2000 إلى 1000 ق.م.)، مما دفع أحد شعراء حمورابي الى القول: إن الغناء أحلى من العسل والشراب. أما في المرحلة الاشورية (1000 ق.م.)، فقد تطورت الموسيقى ووصلت الى المستوى الذي نحن عليه في العصر الحاضر، وشواهد ذلك تلك الاحتفالات المدنية التي تجري في جميع مدن الهلال الخصيب، زمن سومر، وبابل، وآرام، وكنعان... من خلال أعياد رأس السنة في أول الربيع (أول نيسان)، حيث ظهرت عشتار بأبهى عظمتها، إن ازدهار الموسيقى في المدن الكنعانية والآرامية، حيث حمل الفينيقيون في رحلاتهم البحرية فناً وأدباً مثلما حمل الآراميون آلاتهم الموسيقية في رحلاتهم التجارية الى مدن فارس والسند والجزيرة العربية وصولاً الى اليونان وإيطاليا وأسبانيا وشمال أفريقيا.
وعند مجيء المسيحية، ودخول الوثنيين في الدين الجديد، فإن الالحان السريانية التي كانت ترتل في المعابد، دخلت الكنائس السريانية وأصبحت جزءاً من ألحانها التي تم جمعها في كتاب: خزانة الألحان (أي بيت كاز باللغة السريانية)، وبذلك فقد ورثت الكنيسة السريانية الألحان القديمة واصبحت مخزناً لها، وقد اشتهر في وضع الألحان السريانية، برديصان الرهاوي، وابنه هرمونيوس ومار أفرام الذي بلغ مرتبة عالية من الغزارة الشعرية والفصاحة، حتى لقب بكنارة الروح القدس، وقد نقلت ألحانه إلى اليونانية. ومع انقسام الكنيسة السريانية إلى كنائس عدة، أخذت تلك الألحان تنقسم إلى ثلاثة طقوس مستقلة:
 1- الطقس السرياني الانطاكي الغربي، الذي يتبعه السريان الأرثودوكس والسريان الكاثوليك، والسريان الملنكار الارثوذوكس والكاثوليك في الهند.
 2- الطقس السرياني الغربي، وتتبعه الكنيستان: الآشورية والكلدانية، المنضمتان ايضاً الى روما.
وللألحان السريانية، مدارس مختلفة تم تحديدها في:
 المدرسة العراقية، وتحتوي على مدرستين تكريت والموصل.
المدرسة التركية، وتحتوي على مدارس: الرها، وطورعبدين، ودير الزعفران (ماردين)، وبازبداي (آزخ وجزيرة عمر)
مدارس بلاد الشام، وتحتوي على ألحان مدارس منطقة صدد وزيدل، إضافة الى تلك الالحان التي تقع في تركيا الان.
ويتابع الباحث ملكي في كتابه القيم هذا، الأناشيد الكنسية السريانية والأدعية التي ظهرت في صدر المسيحية كنشيد "المدراش"، وهي أقدم الأغاني السريانية عهداً، وأبلغها وأرقها معنى، وهي قريبة من الموشح الأندلسي. ويتألف "المدراش" من عدد غير محدود من الأشعار، المتساوية وزناً في كل قصيدة، وقد تكون من أوزان مختلفة وهي ترتكز على محاورات دينية وجدلية، وتشتمل على مسائل لاهوتية، فلسفية وعلمية، كان قد بدأ بكتابتها مار أفرام السرياني، واستعملتها الكنيسة.
ويذكر أن مار أفرام كان قد ألف جوقة من العذارى، علمها مدراش مقسمة الى أجزاء وأدوار وقد تضمن هذه المدراش تعاليم روحية سامية في ميلاد يسوع المسيح، وعماده وصومه، وأعماله وآلامه، وقيامته وصعوده. أخذ الغربيون بزخم المدراش والاوزان الشعرية الأفرامية (نسبة الى مار أفرام)، وسرعان ما نقلت هذه الأناشيد الى اليونانية، لتنطلق منها الانغام البيزنطية، ومولدة العروض الانشادية التي كرسها فيما بعد زومانوس الموسيقي وأتباعه. الأمر الأكيد أن مار أفرام كان أول من وضع الموسيقى الليتورجية في الكنيسة جمعاء، محولاً الغناء العابث إلى ترتيل ديني، والفكر الوثني الى فكر مسيحي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق