الأربعاء، 26 يناير 2011

الحريريّ كمعارض للصحافيّ ساطع نور الدين

بيروت
 الغضب كتعبير عن شعور إنساني يختلف كثيراً عن الاحتجاج كتعبير عن موقف سياسي. لم يكن الغاضبون السنة الذين خرجوا الى الشوارع أمس لإبداء استيائهم من القهر الذي يتعرضون له، يؤسسون لانقلاب مضاد لذلك الذي نفذه حزب الله، لكنهم أرسوا قدرا كبيرا من التوازن المطلوب والمرغوب في الشارع وفي العلاقة مع الشيعة، التي كانت تقتصر حتى الآن على تبادل الطعنات الحادة، وفي النظرة إلى هوية لبنان وموقعه ودوره المثير للجدل منذ أن كان. حتى أمس كان السنة ينظرون شزرا إلى الشيعة. اختيار الغضب شعارا وسلوكا لم يكن عفويا. وهو في المناسبة يشكل سابقة تاريخية بالنسبة الى الطائفة السنية التي لم تشعر يوما انها تخرج من السلطة او تخرج عليها، حتى في ذرى الحرب الاهلية والصراع مع المارونية السياسية، التي أورثت طبائعها وتقاليدها لشيعية سياسية أشد بؤسا وخطورة. وهو في الجوهر يعني أن ثمة طائفة معارضة تولد من جديد في لبنان، وهي ستأخذ الوقت الكافي لبلورة خطابها وتحديد جدول اعمالها، وخطتها للعودة الحتمية والمظفرة الى الحكم، بعد ارتكاب القدر المسموح به من الاخطاء التي ارتكبتها بقية الطوائف. لكن فسحة السنة لن تكون طويلة او سهلة، او خالية من المخاطر. فالطائفة الغاضبة اكبر من ان تعارض بطريقة سلمية وأصغر من ان تحكم بطريقة سوية. وما يمكن ان يخرج من صفوفها لا يمكن ان يظل هادئا او سياسيا، وهو سيأخذ في طريقه، او سيستهدف أولا قياداتها ورموزها الحالية التي سمحت بقهرها وإذلالها، قبل ان ينتقل الى مواجهة الطوائف الاخرى.. إذا لم تتسم تلك القيادات بالحكمة والقدرة على استيعاب الغضب الشعبي ونقله من الشارع الى القنوات السياسية والدستورية. وهي لعبة خطرة جدا، لأنها سنية بالتحديد، ومن السهل أن تندرج في موجات مشابهة تسود العالمين العربي والاسلامي وتستهدف الغزو الاجنبي بقدر ما تستهدف الأقلية الشيعية، ولا تعود مجرد صراع على السلطة وعلى حق الغالبية النيابية والشعبية في اختيار ممثليها على رأس الحكومة وفي مقاعدها.. ولا تبقى مجرد رد على إقالة الرئيس سعد الحريري، الذي يفترض ان يستنتج ان رسالة الشارع قد وصلت الى من يعنيهم الامر، ولم يبق سوى ترجمتها الى برنامج للمعارضة الجديدة التي يمكنه ان يقودها الآن، ويعود بواسطتها غدا الى الحكم، مرفوعا على الاكتاف، كما جرى مع والده الراحل رفيق الحريري، الذي لم يزده البقاء خارج السرايا الحكومية الا قوة وشعبية. اما اذا أساء الحريري الابن التقدير مرة اخرى وقرر المضي قدما في تطوير الغضب الشعبي وتحويله الى احتجاج سياسي، فإن خسارته ستكون اكبر من الحكم، وخسارة السنة ستكون اكبر من السلطة، وخسارة البلد ستكون أخطر من الامن، الذي لا يقاس الا بموازين قوى مختلة.. ما جرى أمس كان كافيا لفرض توازن سياسي ومذهبي ضروري. غداً هو يوم آخر. أو هكذا يجب أن يكون.
جريدة السفير 26 كانون الثاني 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق