الأربعاء، 26 يناير 2011

المسوّدة الأولى للتفاوض أخرجت الحريري للصحافيّة هيام القصيفي


سيدة حريصا
المسوّدة الأولى للتفاوض أخرجت الحريري والحكومة / العامل الأصولي يلجم الشارع و"14 آذار" تقوّم أخطاءها

تعاملت الدول الغربية وكذلك وسائل الاعلام الغربية على تنوعها، مع الرئيس نجيب ميقاتي على انه الرئيس الموالي لـ"حزب الله"، ومع الحكومة الجديدة المفترضة على انها حكومة "حزب الله". وكذلك تعاملت معها قوى 14 آذار. لكن السؤال اين سوريا من هذا التكليف ومن التشكيلة الحكومية المرتقبة؟ وما هي تداعيات التصويت الطائفي الذي حصل خلافا لما قاله النائب وليد جنبلاط من قصر بعبدا ان ما حصل ليس اصطفافا طائفيا؟
 بعدما مرّت عاصفة التكليف الحكومي، انصرفت القوى السياسية الى درس هادىء لما انتجته عطلة الاسبوع الفائت، حيث كان وزير الخارجية الايراني بالوكالة علي صالحي في دمشق يتابع من كثب مجريات التدخل السوري المباشر في تسمية رئيس الحكومة الجديد. والمراجعة، بحسب هؤلاء، حيوية نظرا الى انها ستكون تعبيرا عما تنتجه المرحلة المقبلة سواء عبر تشكيلة الحكومة او حتى درس تداعيات العلاقة مع المجتمع العربي والدولي. وبحسب معلومات عدد من المتابعين السياسيين فإن اسباب عدم تكليف الرئيس عمر كرامي بتشكيل الحكومة، تتعدى عملية البوانتاج التي اجريت ولم يحظ على اساسها بأصوات كل كتلة "جبهة النضال الوطني" المستعادة. وتؤكد هذه المصادر ان دمشق لم تجر اساسا اي اتصال بكرامي من قريب أو من بعيد. وكل ما في الامر اقتصر على تسمية النائب سليمان فرنجيه له، في ما عدّ إيحاءً سوريا وقبولا به، الا ان الامر لم يكن على هذا النحو، اذ ان دمشق كانت تعد طبخة مختلفة.
طرح اسم ميقاتي قبل ثلاثة اشهر، في عز المفاوضات التي كانت تدور بين سوريا والسعودية. وتقول اوساط في المعارضة ان ميقاتي فوتح بالامر وابدى قبوله" تحت مظلة الرعاية السعودية – السورية". وتزامن قبول ميقاتي في تلك المرحلة مع وضع مسودة تفاهم جرى تداولها وتقضي بقبول الرياض خروج الرئيس سعد الحريري من الحكم لمرحلة انتقالية، في مقابل الحفاظ على طاقمه الامني والاداري في السلطة، اي بمعنى ادق ابقاء المدير العام للامن العام اشرف ريفي ورئيس شعبة المعلومات العقيد وسام الحسن في موقعيهما، وعدم المس بالطاقم الاداري في بعض المواقع الحساسة. توسعت المسودة لاحقاً وتشعبت وتغير بند خروج الحريري من الحكم، لتنتهي الامور الى ما آلت اليه في الايام الاخيرة.
وفي اعتقاد مصادر سياسية مواكبة ان ما جرى في اليومين الماضيين هو عودة الى المسودة الاساسية التي ارادت دمشق تسويقها مع بعض الدوائر السعودية عبرطرح ميقاتي مجددا، وهذا ما جعل النائبين محمد الصفدي ونعمة طعمه العائدين من الرياض يؤيدان ميقاتي، بينما كانت المعارضة المسيحية و"حزب الله" يتحدثان عن تسمية كرامي، من دون ان يعني ذلك ان دمشق تريد تطبيق كل بنود الورقة الاولى للمفاوضات. فمنذ عام 2005، كان لـ"حزب الله" موقف في المعادلة اللبنانية لا يتقاطع دوما مع ما تريده القيادة السورية. دخل الحزب السلطة، حين خرجت دمشق منها، والعودة السورية الى السلطة اللبنانية اليوم، فيها مجازفة ترخي بثقلها بقوة على الحزب والعماد ميشال عون معا. فسوريا اليوم حولت انظار المجتمع الدولي في اتجاه دور "حزب الله" منفردا في قلب الاكثرية واخراج الحريري من السلطة، في حين عادت رقما صعبا في المعادلة اللبنانية، وصاحبة قرار مؤثر في رسم خريطة الطريق اللبنانية. ضغطت سوريا على جنبلاط، ونواب "اللقاء الديموقراطي" السابق والحالي سمعوا من جنبلاط عشية الاستشارات، على ما يروون، كلاما لم يسبق ان سمعوه منه. وضغطت ايضا على رئيس الجمهورية مرتين، في تأجيل الاستشارات الاولى، حين لم تكن طبخة ميقاتي قد نضجت بعد مع فرنسا وقطر، وفي السير بحكومة يعرف مسبقا انها ستكون من لون واحد، واضعة اياه في مواجهة لها معناها المستقبلي مع قوى 14 آذار.
وفي موازاة الضغط اللبناني، وسعت دمشق اطار اتصالاتها واقنعت فرنسا، للمرة الالف، بجدوى الانتقال من مرحلة الى اخرى، عبر تغيير رئيس الحكومة، ووقفت قطر الى جانبها، في مواجهة تحرك اميركي بدا قويا في اولى مراحله، وانعكس تشددا في بعض الدوائر السعودية عبر عنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.من هنا لا يمكن ان يمحى كلام الفيصل بسهولة، فحديثه عن التقسيم، لا يمر مرور الكرام في بلد عاد ليخضع مجددا للنفوذ السوري.
التصويت الطائفي والتقسيم الفعلي الذي حصل كمَنَ في المشهد الطائفي الذي عبّر عنه اصطفاف عاكَسَ ما قاله جنبلاط، وسيترك اثره في وقت قريب على العلاقة بين المجموعات اللبنانية.
- فمن بين 64 نائبا مسيحيا، سمّى 34 الحريري.
ومن بين 34 نائبا مارونيا سمى 14 نائبا الحريري (وحده النائب ايلي عون خرج عن اجماع نواب 14 آذار الموارنة) في مقابل 20 نائبا سمّوا ميقاتي.
وسمى 12 نائبا ارثوذكسيا الحريري في مقابل اثنين لميقاتي،
وسمى ستة نواب كاثوليك ميقاتي في مقابل اثنين للحريري.
وسمت الاقليات والانجيليون الحريري.
وانقسم الارمن بين 4 للحريري (واحد ارمن كاثوليك و3 ارمن ارثوذكس) و2 ارمن ارثوذكس لميقاتي.
- اما السنة فسموا الحريري بغالبيتهم اي 21 من اصل 27 نائبا.
- وبطبيعة الحال لم يسم النواب الشيعة الحريري ولم يحصل سوى على ثلاثة أصوات من اصل 27 نائبا.
- اما الدروز فللمرة الاولى بعد الطائف، و... الدوحة، لا يسمي الزعيم الدرزي الحريري (الاب والابن) ويكتفي نائب واحد هو مروان حماده بتأييده في مقابل سبعة أصوات درزية لميقاتي.
- وسمى العلويون الحريري.
وهذا يعني ان الانقسام الطائفي عكس نفسه في المشاورات اما الشارع فله حسابات اخرى. وقد تمكن الطرف الشيعي للمرة الاولى منذ عام 2005 من كسر الوحدة السنية حول مشروع سعد الحريري، سواء عبر دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة او الحريري نفسه. وليس تفصيلا سحب ميقاتي والنائب محمد الصفدي من الدائرة السنية المتحالفة مع الحريري ولا حتى تحديهما قرار مجلس المفتين. ولعل هذا الامر احد اوراق "حزب الله" المستقبلية، ولا سيما ان ميقاتي والصفدي جاءا ايضا بدعم سوري لمواجهة زعامة الحريري الاب في الانتخابات المفصلية عام 2000. مشاورات التأليف كل هذه العناصر ستترك اثرها بطبيعة الحال في مشاورات التأليف. وتكمل سوريا، وفقا لما سبق، استكمال عملية تسللها الى لبنان عبر الحكومة.
ولذا ستكون رياح التأليف محكومة بطريقة تعامل المجتمع الدولي والانظمة العربية معها، ومدى الضغط الذي تمارسه على دمشق. وعلى رغم ان المرحلة هي للمواجهة فثمة انطباع ان الحكومة يمكن ان تكون نصف سياسية ونصف تكنوقراط. اذ لا يمكن العماد عون مثلا ان يقبل بحكومة تكنوقراط كاملة في حين يعتبر انه دفع ثمنا باهظا في تصديه للحريري وكان رأس حربة في اعلان المواجهة معه. ولا يمكن في المقابل توسيع مشاركة "حزب الله" وتقديمه الى المجتمع الدولي قابضاً على زمام السلطة، قاطعا الطريق امام دمشق لمزيد من سبل التفاوض.
لذا ترجح المصادر المتابعة تطعيم الحكومة بعناصر سياسية من فريقي عون والرئيس نبيه بري مع لحظ حصة ضيقة لرئيس الجمهورية لا تعادل حكما ما اعطاه اياه اتفاق الدوحة. اما حصة جنبلاط فليست مدار بحث جدي حتى اليوم تبعا لما ينقل عن عدم رغبته في المشاركة. ولأن ثمة اجماعا على اعتبار الحكومة المرتقبة حكومة انتقالية وتقطيعا للوقت، فان المنتظر من بيانها الوزاري تثبيت المعارضة ما حصلت عليه من البيان الوزاري لحكومة الحريري لجهة الوضع الداخلي والمقاومة وابقاء ما يتعلق بالقرارات الدولية والمحكمة ضبابيا في انتظار مزيد من المشاورات الاقليمية واتضاح الرؤية الدولية لهذا الشق من المفاوضات.

اما فريق 14 آذارفقد تتاح له الفرصة لمراجعة الاخطاء التي طبعت المرحلة السابقة. وقد بدأت فعلا بعض المراجعات بصوت عال تتردد اصداؤها ككلام على بعض المحيطين بالحريري الذين ساهموا في ارتكاب الاخطاء في حق بعض القيادات، وصولا الى مراجعة نقدية للحوار الذي ساقه الحريري مع سوريا من دون مراجعة حلفائه، وفي مقدمهم المسيحيون الذين قدموا له دعما غير مسبوق خلافا لحلفائه السنة والدروز. وثمة اعتراف بأن قوى 14 آذار لم تقرأ بدقة موقف سوريا واعطتها تبعا لذلك فرصة طويلة في الافادة من استقالة وزراء المعارضة ومن ثم تأجيل الاستشارات، وتجيير ذلك لقلب موازين القوى. وهنا تكمن قدرة هذه القوى على ادارة لعبة المعارضة. فاستخدام الشارع سيف ذو حدين، ويجب التعامل معه بدقة بالغة لان ثمة خشية مستمرة من تسلل اصولي (شمالي)، ابدته امس مصادر امنية، وهذا التسلل لا علاقة له بالحريري ولا بالاكثرية، بل بحسابات تتصل باستنساخ النموذج البغدادي، من غير ان ننسى ان اي تحرك فلسطيني يصب في خانة افتعال مشكلات في بؤر معروفة، ولحسابات معروفة ايضاً لا تتقاطع مع الحريري او 14 آذار.
هيام القصيفي hiyam.kossayfi@annahar.com.lb

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق