الأربعاء، 16 مارس 2011

كتاب مفتوح إلى البطريرك الجديد: إنّنا نستحقّ الرجاء بقلم هدى يمّين


البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي


سيدي،
استمحيك عذراً إذا تشجعت، وناشدت وكتبت اليك، فمن رجائي أكتب، ومن محبتي أكتب، ومن غيرتي أكتب، وأكتب من بنوّتي.
بعد موت البطريرك مار بولس بطرس المعوشي عام 1975، كتب الأب ميشال الحايك: "إن أي بطريرك ماروني جديد، سيجيء ليرأس إما مأتم المارونية وإما ميلادها في العصر... منه سيكون البدء الماروني وعلى يده النهاية... المُلهم اليوم هو الاقتراع وغداً الاختراع، وإلا فقد انتهت جنازة لتبدأ أخرى".
وصحّ ما توقعه الحايك، فما أن انتهت جنازة المعوشي حتى بدأت جنازة لبنان.
وها نحن اليوم، وبعد عقود نسأل: من سيدحرج للمارونية الحجر عن باب قبرها؟
سيدي،
من الباب ستدخل "ولا يدخل من الباب إلا راعي الخراف"، البوّاب يفتح له والخراف تسمع صوته فتتبعه، وهو يسير أمامها".
ونحن يا سيدي، نحن نستحق الرجاء لأننا على خطاك سائرون وبمثلك العليا ملتزمون، ولأجل ذلك، فإن فصاحة اللسان، وعظة الاحد، والتعاطي في الشأن السياسي، واستقبال السياسيين وأهل اليسر، وترؤس الاحتفالات، وزيارة الرعية في الانتشار، وسيامة المطارنة، ورعاية افتتاح الصروح الجامعية، وجمع بقية الطوائف المسيحية في سبيل ما يسمى وحدة الكنائس، ومعايدة المفتين والمشايخ في أعيادهم، والكلام على العيش الواحد، والايعاز بتأليف كتب الصلاة، والتدقيق في الليتورجيا والتفريق بين مفهوم الجمعية والرهبانية، واستلهام الروح القدس كلما حانت عملية اقتراع... كلها أمور تبقى على رغم اهميتها: من هذا العالم.
ومن أنتم على خطاه سائرون، لم تكن مملكته من هذا العالم، ولم يأت من أجل الاصحّاء، فهؤلاء لا يحتاجون الى طبيب، إنما جاء من أجل المساكين والضعفاء والمرضى والمعذبين، فأقام ميتاً ومشّى مخلعاً، وفتّح أعمى، وأبرأ أبرص وموّن العرس في قانا، وأطعم الجماهير من خمس سمكات وثلاثة ارغفة، وشفى النازفة وخلّص إبن الكنعانية وأقام أليعازر من الموت، ومشى على الماء وقام في اليوم الثالث، وغفر للمجدلية وسامح صالبيه وبارك لاعنيه وأحبّ مبغضيه، وقرّع الاغنياء وقبّح المال والجاه والسلطان، وبشّر الفقراء بأن لهم ملكوت السماوات، وأبى أن يرصد للآثام، وغلا فمن يخلص؟
ويحضرني يوم انتخابك السؤال الآتي: أيهما اقرب الى الآب، الفقير أم خادم الفقراء؟ وبأيهما يتمجد الله أكثر: أبالفقر أم بمن نذر نفسه لخدمة الفقير؟ كلاهما ليس بعيداً عن الله، وخادم الفقير هو الأقرب، وبكليهما يتمجد الله، وبخادم الفقير يزداد مجداً، لأن محبة الفقير والعمل من أجله هي المحك الحقيقي للصلاة، وبواسطتها نلج باب الحياة، وفي التغاضي كل العذاب ولا برهان حسياً للعلاقة بالله إلا بمحبة الفقير. فامتحان كياننا قائم على العطاء وعلى بذلك الذات، وحقيقة عملنا تكمن في العمل الصالح، وفي المرادفة بين الفقر والبر وفي التماثل بين الفقر والوداعة.
في سبيل الفقراء وحدهم ومن أجلهم وحدهم ربما، اقام المعلم الناس صنفين: "أهل يمنى وأهل يسار" فمن عمل في سبيل الفقراء، فالى قيامة الحياة ومن أساء او لم يعمل، فالى الدينونة.
وقال لنا بعد كل هذا، لأن نيره طيب وحمله خفيف، ودعانا الى أن نكون كاملين، كما ان أبانا السماوي كامل هو.
وبعد،
أين بكركي من المرادفة بين الفقر والبر.
وهل انتم بالفعل ما قاله غريغوريوس: "مدبري رجاءنا وحراس الملكوت"؟
وهل يتم الاصلاح في الكنيسة المارونية بالعظات وحدها وبالاداريات وحدها وبالقوانين وبالمواثيق، أم ثمة مسيحي يجب أن يسكنها لتصير صورة عن الملكوت؟
وفي الختام دعني سيدي وعن غير استحقاق أن اردد مع السيد: "يا لك عبداً صالحاً، كنت أميناً على القليل فهآنذاك اقيمت أميناً
على الكثير".
صرخة ضيق اطلقتها من صدري، عساها تصل وتفعل. اللهم إني بلغت.

بقلم هدى يمين / جريدة النهار   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق