الثلاثاء، 8 مارس 2011

إلى مجلس المطارنة بقلم زيّان / الياس الديري - النهار



صحيح انني لست مارونياً، لكنّني لا اعتبر نفسي متدخّلاً في ما لا يعنيني حين أبدي رغبة في طرح أفكار تراودني على مجلس المطارنة الذي يلتئم غداً في بكركي في مهمة لن تكون سهلة.

فالمطلوب من هذا المجلس أن ينتخب بطريركاً جديداً يفرش رعايته على انطاكية وسائر المشرق، واضعاً نصب عينيه أنه يخلف البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، ويستحق أن يُعطى مجد لبنان.
فالبطريرك المستقيل، المنتقل الى فترة الراحة والتأمل بعدما جاهد الجهاد الحسن وأكمل الشوط وحفظ الايمان، وسَّع الآفاق، ووسَّع المسؤولية، حتى توسَّعت الكرسي وصار حجم بكركي متخطياً الوطن الصغير، ومتجاوزاً البحار السبعة الى العواصم الكبرى وحيث يتّكئ نفوذ الشرعيَّة الدولية.
ومن هناك الى دنيا الانتشار، الى حيث مهاجر لبناني أو جدّه لبناني. أو جدّ جدّه. أيقظ في نفوس الذين نسوا انتسابهم الى سويسرا الشرق حنينا لم يُحسن الأوَّلون أن يغرسوه في نفوسهم وقلوبهم، ونسي البطاركة الذين "حكموا" بكركي قبله أَن ثمة لبنان آخر مغترباً ومندثراً في القارات الخمس.
إنما، ليس هذا كل ما أعطاه البطريرك صفير الذي أعاد الى بكركي الكثير من بريق البطاركة الكبار، الذين كانت عين لهم على وحدة لبنان وعين على الطائفة التي ما فتئت منذ الانتداب الفرنسي تصارع الشطط والهوس في صفوف المتزعٍّمين، واللاهثين خلف المناصب والمكاسب.
وقف البطريرك المستقيل، صادّاً كل ما من شأنه تصديع البيت اللبناني وهدم الحائط الذي يتكئ ظهر لبنان عليه.
وبوداعة وصلابة، قال لا.
وبقي يقولها على امتداد ربع قرن. وفي أصعب الظروف وأحلكها. لم يلوِ، ولم ينكسر. لم يقل كلمة إلا كانت مشتقة من ضميره ووجدانه واقتناعه.
من هنا، واستناداً الى مواقف رسمت حدوداً وتحوَّلت مبادئ، جالت في الخاطر والبال تلك الرغبة، التي تحثُّ على التوجه الى أصحاب السيادة المطارنة وهم يحاولون الاهتداء الى خليفة لهذا البطريرك الظاهرة.
مار نصر الله بطرس صفير وضع قواعد، وأسساً، ومنهجاً، واعرافاً، وتقاليد ورسَّخ مفاهيم ومبادئ تشمل بأمانتها كل لبنان، وتحتضن في جوهرها كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وفئاتهم.
ربع قرن، ولبنان من دوامة الى خضَّة، الى هزّة، الى حرب، الى أزمة وزارية مثلاً، الى مجهول الى آخره.
الا أن البطريرك لم يتزحزح. بقي سانداً لبنان الصيغة الفريدة المميزة، لبنان الرسالة، لبنان التعددية بايمانه الكبير بوفائه. بعناده. بثقته باللبنانيين.
بطريركا لكل لبنان كان. بطريرك الفراسة، الحكمة، الشجاعة، الصلابة، التقوى، الايمان، الوعي كان.
ومثله، بهذه الصفات، بهذه الخصال، ينتظر اللبنانيون من مجلس المطارنة أن يختاروا خيرُ خلف لخير سلفٍ. لسلفٍ رسم درباً واضحة المعالم، ليس لطائفته فحسب، بل لكل اللبنانيين. وعلى قاعدة من النقاء والشفافية والصلابة، بعيداً من كل تعصُّب وتهوّر، وكل ما يدور في فلك الأطماع، والشخصانيات، والشهوات والحرتقات.
للسادة المطارنة الذين يلتقون غداً ضمن جدران وأبواب مقفلة، يقول لكم اللبنانيّون الحرصاء على الوطن المقهور المضطهد إنكم تجتمعون لتختاروا خليفة صالحاً لبطريرك صالح، ملأ ربع قرن بالجهاد الوطني، العاقل، المسؤول، الرصين، المدرك فرادة الصيغة ومدى هشاشتها، وما تتعرَّض له من تجاذبات وضغوط.
فاعطوا لبنان مَنْ يستحق مجد بكركي ومجده، والمؤهل ليكون حقاً خير خلف لخير سلف.

"زيّان"       



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق