الخميس، 10 مارس 2011

صفير العين الساهرة على انتخاب خلفه بقلم هيام القصيفي/ النهار



تدخل بكركي مساء اليوم (الثلاثاء 9 آذار) مرحلة  حساسة من تاريخ الطائفة المارونية، تتعدى اختيار خليفة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير. فانتخاب البطريرك الجديد، لا ينحصر باسم المطران الذي سيشغل الكرسي البطريركي، انما سيتعداه الى رسم معالم مستقبل الطائفة وكرسي بكركي، وتثبيت المسار الذي خطّه صفير منذ ان اُعطي مجد لبنان. فانتخاب بطريرك للطائفة المارونية لا يشبه بأي شيء تسمية رئيس حكومة ولا انتخاب رئيس للجمهورية. بل هو تحديد موقع بكركي في مواجهة تحديات رسمها المجمع البطريركي الماروني بالصلاة التي رفعها "رسخ يا رب كنيستنا المارونية في الامانة للانجيل حتى توصل الشهادة لارث الاباء والاجداد القديسين، وتكون في هذا الشرق وفي العالم علامة لعيش حضارة المحبة في التلاقي والحوار".
والتحديات التي تواجه عملية الانتخاب واسعة ومتشعبة. فصفير الذي اعاد الوهج التاريخي الى  بكركي بعدما تراجع  دورها بفعل الحرب والتصاعد الفعال لدور الرهبانيات المارونية في الحياة السياسية، لا يترك مهمة سهلة لخلفه. سواء على صعيد الدور الوطني لبكركي ام على صعيد احياء دور الطائفة المارونية في زمن تكثر فيه الصعاب وتشتد التحديات في لبنان والمنطقة المحيطة به
من هنا يدخل الاساقفة اليوم الى بكركي، ليبقى واحد منهم متربعا على الكرسي البطريركي. لكنه حكما لن يبقى وحيدا في ظل العين الساهرة التي سيكون عليها صفير المنتقل الى جناح البطاركة تاركا اثره الحقيقي في بكركي.
وعشية بدء الاستحقاق، استكمل المطارنة الموارنة اجتماعاتهم الثنائية وخريطة اتصالاتهم قبل العزلة المفروضة عليهم. ووفق المعلومات التي حصلت عليها "النهار" خلصت المناقشات الى سلسلة مبادىء تتخطى شخصية البطريرك الجديد، الذي "وحده الروح القدس يعرفه" بحسب تعبير المطارنة، لتتركز خلاصتها باجماع على  تفاهم غير مكتوب على  ثلاث لاءات اساسية
1 - لا لاختيار مطران من المطارنة الذين يخدمون في ابرشيات بلاد الانتشار الماروني على رغم اهمية الدور الذي يؤديه هؤلاء في عملهم الابرشي والكنسي، فالمجمع البطريركي الماروني الاخير الذي عقد في لبنان، وافرد حيزا خاصا لانتشار الكنيسة المارونية العالمي، حدد مواصفات علاقة الانتشار "بالكرسي البطريركي في لبنان" و"هي الكنيسة الام لكل الابرشيات المارونية شرقا وغربا". وقد حازت العلاقة بين كنيسة لبنان والابرشيات المارونية في الانتشار مناقشات واسعة خلصت الى تأكيد مركزية الكنيسة الام، مما يصعّب اختيار راع جديد لها من بلاد الانتشار
2 - لا لاختيار بطريرك من الرهبانيات. وهو تقليد تاريخي، ولا نص قانونياً يحدده، علماً ان التاريخ الماروني شهد انتخاب بطاركة من الرهبان والنساك. وبحسب المجمع الماروني "فانه استنادا الى تقليد قديم نقله الينا الطيب الذكر البطريرك اسطفانوس الدويهي تعتبر كنيستنا القديس يوحنا مارون الذي كان راهبا في دير مارمارون ومن ثم رئيسا عليه اول بطريرك انطاكي على الموارنة".
ولكن بحسب الروايات الكنسية يعود تقليد استبعاد انتخاب بطاركة من السلك الرهباني، الى ما بعد عام 1700، اي بعد عودة الطلاب الكهنة (الخوارنة) من المدرسة المارونية في روما وتميزهم عن اقرانهم الرهبان غير المتعلمين في لبنان، الامر الذي سمح بترقيهم الى سدة الاسقفية والبطريركة دون غيرهم. وعلى رغم تقلب الاحوال وتمرس الرهبانيات في العلم والثقافة بقي هذا التقليد معمولا به، مع العلم ان حلقة المطارنة من الرهبانيات لا تزال هي ايضا ضيقة قياسا على مجموع الاساقفة الآتين من الاكليروس الابرشي.
3 - لا لتدخل الفاتيكان في اختيار البطريركي الماروني. مما يعني محاولة حسم الامور واختيار خلف لصفير في الجلسات الانتخابية المحددة ضمن المهلة القانونية الكنسية.
والجدير بالذكر ان المجمع الماروني حدد في الفصل الرابع من "هوية الكنيسة المارونية" تأكيده شراكة الكنيسة المارونية مع الكرسي الرسولي، واكد ايضاً "استقلالية الكنيسة المارونية" ملمحاً الى "ان تطبيق الليتنة ساهم بعض الاحيان في اضعاف وحدة الكنيسة البطريركية من خلال الحد من سلطة البطريرك رمز وحدتها". وقد سمع المطارنة الموارنة الداخلون الى المجمع الانتخابي من رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري تأكيدا ان الفاتيكان لن يتدخل في اختيار خلف البطريرك صفير. لكن الهواجس التي تطغى على المطارنة تجعل قسما كبيرا منهم يتحدثون عن اهمية قطع الطريق على اي ايحاءات فاتيكانية، وخصوصا في اختيار اسماء رهبانية او الايحاء بمواصفات معينة، مع العلم ان بعض الاساقفة لا ينظر بارتياح كبير الى دور السفير الفاتيكاني في لبنان.

المستقيلون... وكلمة سر صفير
وفي موازاة اللاءات الثلاث، تبرز لا رابعة، لم يتم حسمها بعد وستكون محور مناقشات داخلية داخل المجمع الانتخابي. هل يتم ابعاد المطارنة المستقيلين عن لائحة المرشحين ضمنا للانتخاب؟
لم تستحوذ هذه النقطة بعد اجماعا عليها، لا سيما ان المطارنة المستقيلين ثمانية، ومعظمهم ان لم يكونوا جميعاً يطمحون الى استكمال مسيرة صفير، لكن المناقشة تناولت هذه النقطة تحديدا وكيف يمكن لمطران مستقيل ان يواصل مهماته بطريركا، ما دام البطريرك الماروني نفسه قدم استقالته، واذا حسمت المناقشة باستبعاد المطارنة المستقيلين فان لائحة المرشحين لحمل العصا البطريركية ستصبح محدودة ومحصورة بعدد قليل. وما دامت بعض المواصفات الشخصية لبعض المطارنة المعروفين مرفوضة سلفا من مجمل الحاضرين الذين يستبعدون بعض الاسماء في شكل قاطع، من مطارنة لبنان والانتشار ورهبان مطارنة، فان اللائحة تكاد تصبح محدودة جدا
اما النقطة الاكثر اهمية فهي صوت البطريرك صفير، ليس كصوت اقتراع مع العلم انه يحق له في الاقتراع اسوة بغيره من الاساقفة، ولا يعرف ما اذا كان سيقترع ام لا. الا ان اهمية صوت صفير الذي لم يقله لاحد، هو تحديده مواصفات الشخصية الجديدة والمسار المستقبلي الذي ستكون عليه بكركي. ووجود صفير سيرخي بثقله على المجمع الانتخابي، وهو البطريرك المعروف بصلابته وجرأته وموقفه الثابت، سيمنع نقل الضعف الذي تشهده الطائفة خارج اسوار بكركي الى داخلها، وسيكون رأيه مرجحا في المحافظة على موقع بكركي وسيسلم الامانة حكما الى من يعزز دور الطائفة المارونية ويقويها. وعلى قول احد القريبين من صفير فان اي بطريرك جديد ستعجنه بكركي بتاريخها ولن يبقى هو نفسه مطران الابرشية.

هيام القصيفي      
hiyam.kossayfi@annahar.com.lb     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق