الأربعاء، 16 مارس 2011

بشارة الراعي بطريركًا بقلم غراسيا بيطار/ السفير




بكركي
بين «رغبة الروح» و«التدبير الروماني» و«النسخة المنقحة عن انتخابات الرهبنة»، حلّ انتخاب المطران بشارة الراعي البطريرك السابع والسبعين لأنطاكيا وسائر المشرق. عندما دخل خلوة المطارنة كانت ابتسامة الفرح تطبع وجه «سيد بكركي الجديد» الداعي لتقبل النتيجة «أيا كانت بفرح». 
فجأة يتلون دخان بكركي باسمه في اليوم السابع للمجمع الماروني والجلسة الانتخابية الثالثة عشرة منه وبـ«الإجماع». ودودا الى حد الإنسانية، بدا الراعي الجديد لـ«القطيع الصغير» لدى تقبله سيل المهنئين الذي أمطر بكركي منذ الحادية عشرة إلا ثلثا من صباح أمس موعد قرع أجراس الدخان. فخبر الحسم انتشر كالنار منذ مساء الاثنين، لكن من دون هوية البطريرك السابع والسبعين. جبيل والمتن التقيا تحت قبة بكركي رئيسا ومواطنين لتبادل التهاني
«مار بشارة بطرس الراعي» شكر الجميع: من الحبر الأعظم الى الحبر الماروني «البطريرك الدائم»، الى المطارنة والرعية والإعلام... جردة «تشكرات» سردها بتمكّن واضح في كلمة مرتجلة ألقاها في كنيسة الصرح. «بطرك الكلمة والإعلام» و«المدافع الشرس عن الكنيسة» و«الراهب المريمي الأصولي»، على حد الصفة التي تلازم الرهبانية المريمية لناحية تشددها في الدفاع عن القيم المسيحية، اتخذ «الشركة والمحبة» شعارا لحبريته البطريركية في خطوة لم تفاجئ المقربين منه، الذين ملأوا الصرح بالزغاريد والورود. الأب جان الهاشم يتحدث عن «الأب الحنون الداعي الى حضارة المحبة». ومحامي البطريرك الجديد إسكندر جبران يكشف عن مثاله الأعلى البابا يوحنا بولس الثاني فـ«قلبه كبير ومشبع بالروحانية والمحبة». ويذكر أحد المطارنة عن الراعي «الوحيد الذي لازمني عند قدمي أثناء خضوعي لعملية جراحية متمثلا بالسيد المسيح تواضعا ومحبة». 
«اختيار» الراعي جاء نتيجة حصوله «إجماعيا» على 35 صوتا، على حد تأكيد أحد المطلعين على مسار المجمع الماروني. ووفق الصورة التي تظهرت في النهاية فإن «أصوات المقترعين توزعت في الجلسات الانتخابية منذ بدايتها على المطارنة بولس مطر، بولس الصياح، أنطوان العنداري، فرانسوا عيد وغي بولس نجيم. لكن أيا منهم لم يتمكن من الحصول بمفرده على ثلثي الأصوات الى أن رمت «مجموعة المتن» ورقة المطران الراعي في لعبة ذكية مساء الاثنين فتمكنت من انتزاع الإجماع في الجلسة الثالثة عشرة صباح الثلاثاء بخمسة وثلاثين صوتا، وورقة بيضاء، وهكذا أتت النتيجة «الراعية» حاملة توقيع «المايسترو» المطران بطرس الجميّل والمدبر البطريركي المطران رولان أبو جودة ومباركة البطريرك صفير. لكن «تصنيف» الراعي الأول تضعه شخصية كنسية في «الخانة الفاتيكانية». «إنه تأكيد أن نعمة الروح القدس عملت في السادة الأساقفة» يقول رئيس كاريتاس الأب سيمون فضول
وفي أول تعليق له قال المطران يوسف بشارة لـ«السفير»: «لدى البطريرك الجديد خبرة روحية ورعوية وإنسانية وإعلامية تؤهله لتولي هذا المنصف ونتمنى له كل التوفيق لخير الكنيسة والوطن». 
قلة شاهدت المطران بولس مطر بعيد «غبار» المعركة. أحدهم قال إنه غادر فور إعلان النتائج لتتركز الأنظار على سيد بكركي الجديد ومن توافد لتهنئته. ففي أول الوجوه السياسية كان «العصب المتني الجميلي» أول من أتى بالرئيس أمين الجميل لتهنئة «ابن حملايا» المتنية. وسرعان ما رصدت وجوه مروان حمادة وفارس سعيد وكارلوس إده وغيرهم، ليهمس البعض في أذن كنسية «ها هي الفرقة نفسها تأتي». فأتى الجواب: «ومن منع البقية من المجيء»، علما بأن حضور النائبين الجبيليين سيمون أبي رميا ووليد خوري كان لافتا وشددا على «الثقة بأن مجد لبنان أعطي لمن يستحق». ووضع المراقبون أمام عصا الراعي الكثير من التحديات لعل اختصارها هو في «السير مع جميع المسيحيين». فالبطريرك الجديد قد يقصد الوادي المقدس، لكونه من الذين كانوا يمشون في مسيرات البطريرك صفير الطويلة في وداي قنوبين وقد يزور دول الانتشار حيث ستوجه اليه الدعوات حتما، لكن العين ستكون على طريقة تعاطيه مع حفل وضع الحجر الأساس في براد في سوريا في التاسع عشر من الجاري وما إذا كان سيختاره بوابة لإعادة وصل الكثير مما انقطع، بحضوره الشخصي أو بإيفاده ممثلا عنه
يوم بكركي الطويل بدأ بعد قرع الأجراس مع تلاوة المونسنيور يوسف طوق البيان الرسمي الذي أعلن انتخاب الراعي وموعد الاحتفال والتنصيب في 25 من الجاري يوم عيد سيدة البشارة. أُلبس الراعي الشارات البطريركية وخرج المطارنة ليزنروا درج بكركي ممهدين لخروجه أمام حضور غلب عليه مزيج من الفرح والدهشة. وبين قوسي المطارنة دخل المطران الجديد ليتحدث في الكنيسة عن «انتخابات لم نشهد مثلها من قبل لما تخللها من فرح وسرور ومحبة». نقل شعوره بأنه «هدية» البطريرك صفير لمناسبة يوبيله الفضي. شكر بالفرنسية الفاتيكان وممثله. استحضر والديه. وختم: «لقد أراد المجمع المقدس أن ينتخب راهبا بطريركا». 
في صالون التهاني وقف السلف الى جانب الخلف. وبينما صافح الراعي الصغير والكبير ولم يبخل بالقبلات والود، قالت الأيام والتجربة كلمتها عند صفير فكان يجلس كلما تعب. يقترب عضو الرابطة المارونية طلال الدويهي من البطريرك الجديد للتهنئة فيؤكد له الراعي ترحيبه بترؤس العرس الجماعي الذي تنظمه الرابطة في الرابع عشر من أيار القادم في بكركي، ليحفل بعد الظهر بحضور من «الصف الأول». رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يعقد خلوة مع الراعي ويتحدث من درج بكركي عن «يوم سعيد للبنان وللمسيحيين فضلا عن أن الانتخاب يحمل معاني كثيرة لأنه حمل التوافق وأجواء المحبة»، لافتا الى أن البطريرك الجديد سيسير على خطى البطريرك صفير وسيحافظ على بكركي كمرجعية للمسيحيين في لبنان وفي الشرق الأوسط
وقبل أن يغادر الصرح تصافح سليمان سريعا مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي عقد خلوة مع الراعي، تمنى بعدها للبطريرك «كل الخير وأن يعمل على تعزيز الوحدة الوطنية». أضاف: «أعتقد أن صاحب الغبطة مدرك تماما التحديات التي تواجه البلاد وتنتظره، وهو سيكمل مسيرة البطريرك صفير في القيم الوطنية والأخلاقية التي تشكل سر وجود لبنان». 
وقدم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري التهاني إلى الراعي وقال «ان الانتخاب في هذه السرعة يدل على أن هذا الصرح الكريم كان دائما ولا يزال لكل اللبنانيين، يجمعهم مسلمين ومسيحيين، وخطابه كان دائما وطنيا استقلاليا ولمصلحة كل اللبنانيين. ونحن عاهدناه على أننا سنبقى على الخط نفسه في الاستقلالية والسيادة وفي دعم هذا الصرح». 
وفي أول حديث للبطريرك الجديد إلى الإعلاميين، أكد «أن عملية الانتخابات لم يحصل فيها أي تشنج وكان الفرح عارما في قلوب جميع المطارنة». 
وعن شعاره «شركة ومحبة»، قال: هذا هو عملنا نحن في الداخل وعملنا في لبنان، وعندما نقول شركة فهذه كلمة لها بعد عميق عمودي وبعد أفقي. فالبعد العمودي أي الاتحاد مع الله، أما أفقياً فأحب أن يتبنى اللبنانيون هذا الشعار ويحفظوه في قلوبهم ويكتبوه في بيوتهم، فهو هو الباب الذي من خلاله يمكننا أن نعود ونبني نسيجنا اللبناني، ووحدتنا وليرجع اللبناني يلعب دوره فعلا، فلبنان ننتظر منه دورا كبيرا في هذا العالم العربي الذي يتمخض ولا يعرف الى أين يصل، لكن لبنان عنده هذا الدور». 
واعتبر أنه «عندما كنت مطرانا والآن أصبحت بطريركا فلا يمكنني أن أتصرف إلا بعد التشاور الكامل مع المطارنة، ونحن هنا في بكركي لدينا هيكليتنا وعندنا المطارنة ومجلسنا فنطرح الأمور ونفهم ماذا نريد أن نعمل ونأخذ المواقف
وزار بكركي مهنئا الرئيس أمين الجميل، رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي وجه نداء الى الموارنة «للالتفاف حول البطريرك الجديد»، النائب نديم الجميل، النائب مروان حمادة، قائد الجيش العماد جان قهوجي، رئيس جمعية الصناعيين نعمة إفرام، وشخصيات سياسية وروحية ووفود شعبية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق