الخميس، 10 مارس 2011

عون آخر مودّعي صفير بقلم غراسيا بيطار/ السفير



في اليوم الأخير من عهده البطريركي تسلم البطريرك نصرالله صفير «بطرشيل» أب الطائفة المارونية مار مارون، حاكته بيديها راهبات «القربان المقدس». وفي اليوم عينه سجلت في عينيه «لمعة»، كانت ربما متوارية أو لم تولد بعد، لدى استقباله العماد ميشال عون. ريح في الطبيعة وفي الكنيسة عصفت أمس بالصرح البطريركي وعلى وقع زخات المطر الثقيلة توافد المطارنة. من يستعين بـ«عكازه»، وعددهم لافت للانتباه، لم يوفره. ومن أبقى سترته مستريحة على ذراعه رغم الطقس البارد في إشارة الى «روح الشباب» لم يتوان. 
وفي طلة المنتصر حضر «الحارسان الخازنيان» فريد هيكل وأمين كسروان من دون سيوف، وأقفلا البوابة السوداء لباحة الصرح الداخلية في تمام السادسة والدقيقة السادسة والعشرين ليفتح باب التكهنات على مصراعيه عن هوية البطريرك السابع والسبعين لأنطاكيا وسائر المشرق والذي سيتمكن من الحصول على ثلثي أصوات تسعة وثلاثين مطرانا من ضمنهم صفير. 
ساعات ما قبل إقفال البوابة كانت الأكثر زخما. إذ بدأت بوصول العماد عون في تمام الرابعة بعد الظهر ليكون آخر زائر مدني يجتمع بصفير كبطريرك «تصريف أعمال». قرابة الست دقائق انتظر البطريرك زائره «البرتقالي» عند باب الصالون الكبير لبكركي. سلام وقبلات واجتماع ضم الى صفير وعون كلا من المدبر البطريركي رولان أبو جودة والمطران سمير مظلوم ومن ثم مطران اللاذقية مسعود يوسف مسعود ومنسق العلاقة بين الكنيسة والتيار الوطني الحر غابي جبريال.
أربعون دقيقة بين الرجلين بدأت بإدخال فناجين القهوة للضيوف. لكن البطريرك سأل عون إذا ما كان يفضل شيئا ساخنا «كرمال صحتك لأنك تبدو مريضا من صوتك». فشكر عون للبطريرك حسن اهتمامه وسرعان ما أعيدت صينية القهوة واستبدلت بأخرى للشاي. 
إنه الـ«تي تايم» الأخير بين الرجلين قبل خلوة الانتخاب وسادته، وفق المجتمعين، أجواء من «الود والإيجابية الخالصة» عكسها تصريح عون الذي أدلى به في حضور صفير. ولم تخل الجلسة من التطرق الى شوؤن الساعة وخصوصا «المشاورات الحكومية» وتجسد ذلك في استيضاح صفير لعون عن أفق الولادة الحكومية وإنما بشكل خاطف لأن الجو الروحاني هو الذي ساد الجلسة». هذه الجلسة التي استهلت بطلب البطريرك من عون أن يهنئ المطرانين سمير مظلوم ورولان أبو جودة لأنهما «أنجزا الصلحة بين الخازنيين». 
وقال العماد عون بعد لقائه صفير إن الزيارة «لشكره على السنوات الطويلة التي قضاها في سدّة البطريركيّة، جميعنا نمرّ في هذه الدّنيا، ولكن القوّة هي في استمرار المؤسّسات واستمرار بكركي وما ترمز إليه»، ونفى أن تكون الزيارة للمصالحة لأن «ما من مشكلة ليكون هناك مصالحة». وعن البطريرك المنتظر قال: ما أعرفه هو أنّ الكنيسة أدرى بهذه الأمور. جميع الأساقفة مجتمعون ولديهم أفضليّات في معالجة المواضيع، أي تعاطي الكنيسة مع رعيّة منتشرة في كلّ العالم، وتعاطيها بأمور أخرى إداريّة وغير إداريّة. لست أنا من يجب أن يقدّم لهم النصّائح، هم يعرفون ما هي الأمور الواجب معالجتها. 
وجدد القول ردا على سؤال «أن مسألة السلاح هناك حيالها وجهتا نظر والظروف الوطنية هي التي تملي التخلي عن السلاح أم لا». 
غادر «الجنرال» بكركي على وقع توافد المطارنة تحت المظلات وتحت عدسات الإعلام التي اقتنصت آخر التعليقات. المطران بشارة الراعي: نفتح قلبنا لكي يلهمنا الروح القدس وسوف نقبل النتيجة بفرح كبير. يوافقه المطران جورج أبو جودة ويضيف ردا على سؤال: لا صراع وفي النهاية سيولى واحد منا على السدة البطريركية وبإجماع تام». وهل من المحتمل أن يكون البطريرك الجديد مطرانا من الانتشار، يجيب مطران كندا جوزف خوري: وهل الانتشار ليس في قلب لبنان؟ وراوحت سلامات المطارنة بين «النظر» أو القبلات، «على قد المعرفة» ومدى توافق «خيارات الترشح». 
دق جرس كنيسة الصرح فدخل الجميع الكنيسة للصلاة، افتتاحية الخلوة. دقائق ويطلب من الاعلام المغادرة. وبينما راوحت تقديرات المطارنة تصاعد الدخان الأبيض الإثنين استبعد آخرون أن يعلن عن انتخاب البطريرك الجديد في «14 آذار» كما قفز موعد الخلوة من ثمانية الى تسعة آذار. ووصلت بورصة الترجيحات الى احتمال التوافق على المطران غي بولس نجيم، الذي وصل منذ أمس الأول الى بكركي، نظرا لصعوبة أن يحصل أي من المطارنة على ثلثي الأصوات، على ما توقع رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار ميشال إده. ولكن كله يبقى كـ«الضرب في الرمل» والمطارنة يقولون لنطرق باب السماء وننتظر الجواب فـ«من يقرع يفتح له». 
وكان صفير استهل يوم بكركي الطويل باستقبال وفد من «حركة التجدد الديموقراطي»، ضم نائب رئيس الحركة مصباح الاحدب الذي وصف استقالة صفير بالفعل المتواضع داعيا الى أن تكون أمثولة للجميع. ثم استقبل صفير عميد «الكتلة الوطنية» كارلوس اده على رأس وفد، الرئيس الاسبق لحزب الكتائب الدكتور ايلي كرامة، رئيس جامعة الحضارة الاسلامية الشيخ مخلص الجدة، رئيس حزب «السيادة الوطنية» نزيه نعيم شلالا، الوزير ميشال فرعون، المحامي جوزف أبو شرف، النائب فؤاد السعد، الوزير السابق جان عبيد، الوزير السابق يوسف سلامة، وفد من اللقاء الشبابي الفلسطيني برئاسة احمد الشاويش وفعاليات. 
كما التقى صفير السفير الفرنسي دوني بيتون الذي سلمه رسالة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يأسف فيها لاستقالته ولكنه يقدر القرار الذي اتخذه بحكمة. وقال فيها ان «فرنسا تبقى اكثر من اي وقت مضى الى جانب لبنان سيد وتعددي يستمد غناه من التنوع والحوار والصداقة الاسلامية ـ المسيحية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق