الخميس، 10 مارس 2011

الفاتيكان عينه على خلف صفير بقلم كلير شكر / السفير



في أعلى الموقع الالكتروني الخاص بالبطريركية المارونية، صورة ضخمة تجسّد بكركي، وقد أحاطتها من اليسار شجرات أرز عتقية، ومن اليمين نور آت من خلف الأفق. لتلك الصورة رمزية خاصة، تعبّر عن تطلع الموارنة إلى كنيستهم، ومدى عمق جذورها في هذه الأرض. 
صورة البطريرك المستقيل نصر الله صفير، تتربّع في وسط الصفحة، فيما عظاته، تأتي من بعده. ترتيب دقيق للصفحة، يطمح البعض إلى انسحابه على وضعية البطريركية، والمؤسسات التابعة لها. هدف بات ثابتاً على جدول أعمال الكرسي الرسولي، الذي قرر مواكبة كنيسته الشرقية، بكلّ محطاتها المفصلية، البطريركية والرهبانية. 
وبينما أقفل الأساقفة أبواب بكركي من حولهم، مساء أمس، كي لا يخرجوا من داخلها، إلا خلفاً لبطريرك جديد، تراقب روما مجريات الاستحقاق عن بعد: قلبها على الخلف، وعينها على برنامجه... لأن المسارين صارا متلازمين بنظرها في هذا الزمن. 
نداءات متكررة وجهها الفاتيكان إلى الكنيسة المارونية، كي ترتّب صفوفها، وأوضاعها الإدارية، التي لا تزال تسير وفق «وصايا القدماء». محاولات خجولة لم تر النور، وانتهت إلى وضعها في أدراج بكركي، لكنها لم تقنع السلطات الحبرية، بالتخلي عن هذه «التوصية»، التي صارت حاجة، وليس ترفاً، يفترض بها أن تعوّض تراجعاً في حضور المسيحيين في الشرق الأوسط، وفي لبنان. 
تنظيم البطريركية إدارياً هو من مسؤولية رأس الكنيسة ومعاونيه. ولكن غياب الهيكلية الواضحة، دفع روما في أكثر من مناسبة إلى مناشدة الكنيسة المارونية إلى مأسسة ذاتها. فقد ذكّر الكرسي الرسولي عبر الإرشاد الرسولي الخاص بلبنان، والإرشاد الجديد للسينودوس الخاص بالشرق الأوسط، بالبند الإصلاحي، الذي يبدو أنه صار طارئاً على جدول أعمال الفاتيكان، والذي لا يتناول الشرع الكنسي، وإنما العلاقة ما بين السلطة الكنسية والمجتمع المسيحي. 
ويُشاع عن وجود شكوى فاتيكانية، من اتساع الهوة بين بكركي وبين الشباب الماروني، والمسيحي بشكل عام، الأمر الذي تتطلب معالجته بشكل سريع، ما يستدعي إصلاحاً، لا تزال أفكاره مطروحة عن بعد، وتنتظر العهد البطريركي الجديد. هناك من يرى ضرورة إعطاء دور للعلمانيين، من خلال إنشاء مجلس بطريركي علماني، يكون بإدارة أسقف أو أكثر، أو من خلال تحويل بكركي إلى مؤسسة رديفة لمؤسسات الدولة، بمعنى السهر ومراقبة عمل هذه الأخيرة، لتكون الكنيسة شريكة فعلية في السلطات المدنية. 
كما أن هاجس هجرة مسيحيي الشرق، يؤرق المسؤولين الحبريين، ويدفعهم إلى لعب دور استثنائي، في علاقاتهم مع الكنائس المشرقية. وقد تمنّت روما في أكثر من مناسبة وقف هذا النزيف، كما صاغت خطط عمل، غالباً ما كانت علنية عبر رسائل حبرية، رفعتها إلى الكنائس المعنية، على أمل ترجمتها على الأرض. 
بالنتيجة، إصلاحان أساسيان، تضعهما الفاتيكان نصب عينها، أولهما وطني، من خلال «اعتماد بكركي نهج الانفتاح على أبناء الوطن وطوائفه كافة»، كما يقول أحد الكهنة. ثانيهما، التنظيم الإداري لبكركي، التي باتت تحتاج إلى دم شبابي يجدد عروقها، لا سيما وأنها تستضيف أكثر من أربعة أساقفة تخطوا الخامسة والسبعين من عمرهم. 
الفاتيكان تريد بكركي على «صورتها ومثالها»، من المأسسة. هكذا يختصر الكاهن، نظرة الكرسي الرسولي إلى تنظيم البطريركية المارونية، لجهة إنشاء دوائر متخصصة، مالية، سياسية، علمية، ثقافية، اجتماعية... تتابع شؤون الرعايا. 
انطلاقاً من كونها «أم» الكنائس، وصاحبة سلطة روحية وغير سلطوية، يذهب الكثيرون إلى حدّ القول، إن روما اليوم، غير روما الأمس، في علاقتها مع الكنائس الشرقية، في ضوء التراجع الدراماتيكي الذي أصاب مسيحيي الشرق، والتهجير القسري والإرادي الذي يتعرّضون له. يؤكدون أن إصرار الكرسي الرسولي على متابعة دقائق الأمور، لم يعد موضع نقاش. السفير البابوي السابق لويجي غاتي، نجح، خلال ولايته الدبلوماسية في نقل صورة مفصّلة عن أوضاع الكنيــسة المارونية، بكلّ أزماتها، ومعاناة مؤمنيها. السفير الحالي غابريال كاتشيا يضع في جيبه استراتيجية روما، لهذه الكنيسة، ورؤيتها المستقــبلية لأبناء هذه المنطقة. وما حمله في صناديق انتخابات الرهبــانية المارونية، لم يكن إلا واحداً من خطوات كثيرة قد تقوم بها الفاتيكان لتقويم الاعوجاج، وقد تلت تلك الخطوة دعوات خطية وجهها الفاتيــكان إلى الأساقفة الذين بلغوا السن القانونية ودعاهم إلى تقديم استقالاتهم، ليكون الاستحقاق البطريركي، ثالث تلك المحطات. 
أن يصل عميد مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري إلى بيروت، في هذا التوقيت بالذات، يحمل برأي الكثيرين دلالات قوية، وإن كان للزيارة أهداف معلنة، تتصل بتكريم البطريرك المستقيل نصر الله صفير، ولكنه مؤشر واضح على إبقاء الفاتيكان على عينه ساهرة، لحين خروج الدخان الأبيض من الصرح البطريركي. 
وهناك من يقول، إن روما تدرك بينها وبين ذاتها، من سيكون الخلف السابع والسبعين للبطريرك صفير، لأنّ المواصفات المطلوبة لهذه المرحلة، تكاد محصورة بأساقفة محدودين. أما سلطة «التثبيت» التي يملكها الفاتيكان، والتي يفترض بأي مرشح يحصل على ثلثي أصوات «زملائه» الأساقفة، أن ينالها من السلطات الحبرية كي يتوّج بطريركاً... فتخوّل الكرسي الرسولي، بحسب أحد الكهنة، بأن يكون له كلمة حاسمة من اسم البطريرك العتيد. ويميل المشجعون إلى «نفضة تنظيمية» في بكركي إلى الاعتقاد، أن الكرسي الرسولي يهتم بهوية سيد بكركي الجديد، بقدر اهتمامه، بأجندة هذا الأخير للغد... وبسيرته في الأمس. 
هرمياً، البطريرك الماروني هو رأس هذه الكنيسة، يعاونه مجلس مطارنة لإدارة شؤون الطائفة، الوطنية، الاجتماعية، الكنسية وحتى في التنظيم الإداري. يترأس البطريرك المجلس الذي يسير وفق قانون الشرع للكنيسة المارونية، الذي يحدد آلية اتخاذ القرارات فيه. 
الأبرشيات هي المستوى الثاني للسلطة الكنسية، تكون إما برئاسة أسقف أو البطريرك بالإنابة، تتولى شؤون الرعايا وإدارة المؤسسات الموجودة في نطاقها، وتتوزع على الداخل اللبناني وخارجه، وهي: نيابة زغرتا المارونيّة، أبرشيّة بروكلين، أبرشيّة أنطلياس، أبرشيّة البترون، أبرشيّة جبيل، أبرشيّة قبرص، أبرشيّة الأرجنتين، نيابة صربا، نيابة الجبة، أبرشيّة بيروت، أبرشيّة مونتريال، أبرشيّة حيفا والأراضي المقدّسة، أبرشيّة حلب، نيابة جونية، أبرشيّة لوس أنجلس، أبرشيّة اللاذقية، أبرشيّة استراليا، أبرشيّة زحلة، أبرشيّة المكسيك، أبرشيّة صور، أبرشيّة القاهرة، أبرشيّة بعلبك ودير الأحمر، أبرشيّة طرابلس، أبرشيّة صيدا، أبرشيّة البرازيل، وأبرشيّة دمشق. والمقصود بالنيابة، تلك الأبرشية التي تتبع مباشرة للبطريرك الذي يعين نائباً عنه لإدارتها. 
تعتبر أبرشية بيروت التي يترأسها المطران بولس مطر، هي «الأقوى» والأكثر نفوذاً لكونها تقع جغرافياً في موقع القرار وقريبة من مراكز النفوذ السياسية. يقصدها رئيس الجمهورية للمشاركة في قداس مار مارون، في دلالة على أهمية هذه الأبرشية. كما تبرز «قوتها» من المؤسسات التربوية التي تديرها، وأبرزها جامعة الحكمة ومدرسة الحكمة، إضافة إلى مهنيتين، ومدارس مجانية، إلى جانب امتدادها الجغرافي في بقعة يُعتبر رعاياها ميسورين. جغرافياً تمتد الأبرشية من بيروت حتى نهر الدامور، صعوداً نحو نبع الصفا وعيندارا في عاليه، كما أن معظم قضاء بعبدا يتبع لها، إضافة إلى جزء كبير من قضاء المتن الشمالي، من عينطورة، المتين، المروج، بعبدات، بيت مري، عين سعادة (المقر الصيفي للمطران)، الجديدة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق