الأربعاء، 16 مارس 2011

المعجزة المارونيّة بقلم ساطع نور الدين/ السفير




انتخبت الكنيسة المارونية بطريركها. الخطوة بحد ذاتها جذابة. أن يخرج الزعيم الروحي للطائفة المارونية من صناديق الاقتراع، بعد عملية معقدة، تستبعد فكرة الاحتكام الى القوانين الالهية، ويخضع المؤسسة الدينية العريقة للقوانين الوضعية، السياسية التي يختزلها المنصب الجامع بين ما هو زائل وما هو ازلي. 
ليس الانتخاب استثناء كنسيا لا في لبنان ولا في اي مكان يعيش فيه مسيحيون مؤمنون. هو ميزة على المسلمين الذين كانت تجارب اختيار زعمائهم الدينيين نادرة عبر التاريخ، تخترق عرفا وتقليدا قديما يقضى بان يكون الامام، الشيخ او السيد، وكيلا مدى الحياة ومرجعا بعد الممات، حتى ولو كان عمره مليئا بالخطايا، ولو كان ارثه خاويا من اي أثر. الثورة المصرية تضغط هذه الايام في اتجاه احياء ذلك السلوك وتلك التجربة العريقة في المؤسسة الاسلامية الاعرق بأن يكون اختيار شيخها بالتصويت لا بالتعيين ولا حتى بالتكليف، فيتجرد الرجل من القداسة المزعومة وترتقي المرجعية الى مصاف الجامعة. 
الخطوة متقدمة، بدءا من القرار الجريء الذي اتخذه البطريرك السابق نصر الله بطرس صفير عندما استأذن بالانصراف، من دون ان يفصح عن الاسباب الكاملة، غير التقدم بالسن، وترك للمخيلة ان تشطح في تفسير التوقيت وفي تقدير المسافة التي يريدها الرجل عن رعية ليست في احسن حال، بل لعلها في اسوئه، وعن كنيسة لا يمكنها ان تنكر ذلك التوتر الشديد داخل الطائفة ولا ان تردم تلك الهوّة السحيقة بين ابنائها. كان طلب الاذن بالرحيل، اشبه بالاعلان عن فشل النوايا الحسنة في تهدئة الرؤوس المارونية الحامية... وفي حفظ مواقعها المتداعية امام الزحف الاسلامي، والمتهالكة نتيجة تردي اختيار رموزها وممثليها المحاورين او المشاركين للمسلمين سواء في السلطة وخارجها. 
كانت استقالة صفير صرخة في وجه الموارنة، وقفة احتجاجية عفوية على تهافتهم. لم يكن يريد ان يظل شاهدا على ذلك الانهيار للطائفة «المؤسسة للكيان»، وللكنيسة التي غادرها المزيد من روادها وصاروا يزايدون عليها في التدين وفي التدبر، بالترحال السنوي الى النبع، ويشككون حتى في حرصها على مصير الاقلية المشرقية الابرز، وينبذون بركة التوبة التي منحتها لبعض العائدين الى حضنها، عندما كان همها الاساسي هو لمّ الشتات الماروني واحياء الرعية وصون وجودها. 
انتخاب المطران بشارة الراعي بطريركا يعني بأن الكنيسة قررت أن تغادر الاحتجاج الهادئ على تدهور اوضاع الطائفة، وأن تخوض المعركة من جديد من اجل استعادة الوحدة المارونية التي صارت شرطا لازما للبقاء... مع علمها المسبق ان صفير حاول باسلوبه الخاص ان يحقق تلك المعجزة، التي يبدو حسب المطارنة انها باتت تتطلب اسلوبا هجوميا حاسما، يفترض ان يبدأ بسلوك مسار حاد مع الاخر، المسلم الذي تلاعب بالموارنة وفرّق بينهم والذي افرط في النيل من حقهم في اختيار زعمائهم، املا في استعادة دور بكركي باعتبارها فلكا يدور حوله جميع ابناء الطائفة. 
هي مهمة شاقة لأن البطريرك الجديد نفسه يمكن ان يتحول الى عامل جديد من عوامل الاستقطاب، اذا ما تبين ان انتخابه كان جزءا من الصراع داخل الطائفة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق