الخميس، 17 مارس 2011

في التعامل مع البطريرك الجديد بقلم إيلي الحاج/ النهار

لا أحد سيكون قادراً على التعرض للبطريرك الماروني الجديد بشارة الراعي. بصرف النظر عن مواقفه المتطابقة في القضايا الوطنية الكبيرة مع مواقف سلفه البطريرك الكبير نصرالله صفير، ما تغيّر وسيتغيّر أكثر هو الأسلوب وتأثيره ليس بقليل. والرجل هوالأسلوب

البطريرك الجديد يحمل في شخصيته مواصفات القائد والنجم الشعبي. خلافاً للبطريرك الكاردينال صفير الذي أجبرته الظروف اضطراراً على إعلان مواقف وطنية واضحة كانت لها ترجمة سياسية تاريخية، لكن الصفة التي غلبت عليه طوال ربع قرن أنه راع كنسي وَرِع لطائفته. صفير يعلن رأيه ببساطة ويترك مجالاً للإلتباس الخلاق فعلاً. يدوّر الزوايا في أحاديثه، يترك المجال واسعاً للأخذ والرد، ويعفّ عن الرد إذا تخلل اسفافٌ كلام من يتوجهون إليه. الراعي يختلف في خلفية مقاربته للسياسة وفي الطريقة. "سيصعد إلى زعامة الطائفة بسرعة"، يقول بعض عارفيه القريبين منه. ويضيفون: "بالمعنى السياسي قد يهدد مباشرة زعامتين كبيرتين عند الموارنة. هو ذو كاريزما قادر على أن يواجه إذا لزم الأمر وبطريقة حاسمة، سياسياً شعبوياً مثل النائب الجنرال ميشال عون، وسياسياً برغماتياً مثل الدكتور سمير جعجع. يستطيع البطريرك الراعي أن ينتزع ممن يفكرون في توجيه الإنتقاد غير البنّاء إلى بكركي وسائلهم والذرائع وحتى أفكاراً يعتبرونها في رصيدهم، ويستخدمونها في محاربة بعضهم البعض". 
الراهب شربل القدّيس
المعنى أن التعامل مع البطريرك الجديد سيكون مسألة دقيقة وحساسة. والسياسيون الموارنة الذين يخالفون توجهات بكركي الوطنية  سيترحمون على أيام بطريركية صفير، إذا لم يتكيّفوا مع الواقع الجديد ويغيّروا في الشكل والمضمون ويعدّوا إلى ألف، وليس إلى عشرة أو مئة فقط، قبل توجيه كلام تحدٍ إلى البطريرك الجديد ومخاصمته كما فعلوا مع سلفه. فليذكروا أنه لوّح لهم وهو بعد مطران بـ"الحرم الكبير" إذا واصلوا تهجمهم على البطريرك بسبب وبدون سبب، بمناسبة وبدون مناسبة. كذلك على من يسيرون في توجهات بكركي أن يتواضعوا ويتكيفوا   مع حقيقة أن الزعامة الكبرى التي لا نزاع عليها والتي كانوا يتطلعون إلى اكتمال نواصيهم بين أيديهم يوماً، سواء بسقوط خصومهم تدريجاً - بسبب من خسارة رهانهم على خط سياسي أو ضمور حضورهم السياسي الشعبي - هي زعامة لن تؤول إليهم بل إلى سيّد بكركي المحدّث الذي يحمل رؤية مستقبلية، ذي الشخصية الهجومية التي لا تترك مجالاً لمساومات أو مهادنة.
لماذا عون وجعجع؟ يعتبر الراعي، على ما ينقل القريبون منه، أن انقسام المسيحيين بين "قوات" وعونيين كانت له نتائج سلبية جداً على موقعهم وحضورهم ووزنهم في لبنان، وأن العناد والمثابرة المستمرين في إشاعة أجواء التباعد بين مؤيدي الجانبين يحولان دون عودة المسيحيين إلى دورهم الطبيعي، وأن مسيرة تقويم المسار في لبنان تبدأ من معالجة هذا الوضع. جديرة بالتأمل هنا أجوبة البطريرك على أسئلة وجهت إليه خلال برنامج تلفزيوني (في الـ"أم تي في") قبل انتخابه بأيام. سئل عن نظرته إلى جعجع فأجاب بأن "مواقفه أحياناً غير بنّاءة". وعن عون: "يعتقد أنه وحده يمتلك الحقيقة، ولا يستمع إلى أحد". 
النصيحة الأخيرة إلى من يستعجلون زيارة البطريرك الراعي لسوريا ويزينونها بأنها عودة إلى الجذور في براد وغيرها. كان سلفه صفير يجيب علناً عندما يُسأل "نزورها عندما تصبح الزيارة مفيدة". وهذا موقف مبدئي.  وفي غير العلن يقول إن 75 بطريركاً من قبله لم يقوموا بهذه الزيارة، فليقم بها من يأتي بعده إذا شاء. أما الراعي فيقول إنه لن يقوم بهذه الزيارة إلا متى أصبحت الظروف لا تشكل خطراً على سيادة لبنان واستقلاله. وهذا موقف أكثر من مبدئي. إنه متشدّد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق