الخميس، 10 مارس 2011

البطريرك المرتجى بقلم إدمون صعب

الخازنيّان يحرسان انتخابات البطريرك بحسب التقليد

«نفصل الدين عن الدولة، إذا شئنا، لكن لا نفصل الدولة عن الله، خالق كل شيء. ففوق الطوائف هناك الدولة التي تحتاج إلى أزلٍ، 
إلى شيء دائم لا يزول». 
ميشال شيحا 
(1953) 
في الوقت الذي تمر فيه المنطقة العربية في واحدة من اخطر مراحلها، مع يقظة الشعوب على ذواتها وانتفاضها على الديكتاتوريات والديكتاتوريين الذين حكموها لأكثر من نصف قرن، يشهد لبنان واحداً من أدق أوقاته مع اقتراب الذكرى السادسة لحركة 14 آذار. 
وكان مأمولا أن تكون هذه الذكرى مناسبة لمراجعة المرحلة التي مرت، بنجاحاتها وإخفاقاتها، وخصوصاً ان الحركة المذكورة قد أفادت من الظروف المحلية والاقليمية والدولية التي أعقبت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي أجمع اللبنانيون على استنكارها والمطالبة بإحقاق العدالة في شأنها، فانقضّت على السلطة وصادرتها، كما أدارتها على نحو يخدم مصالحها. كما تخلّت عن سيادة الدولة قضائياً للأمم المتحدة التي أنشأت محكمة خاصة بلبنان، من أجل التحقيق في الجريمة، وتكريس العدالة. 
ومن غريب المصادفات ان هذه الذكرى تقع في أسبوع واحد مع مرور 95 عاماً على معاهدة «سايكس ـ بيكو» (في 9 آذار 1916) التي أنتجت الكيان الطائفي، وإقفال أبواب بكركي (أمس) لانتخاب بطريرك جديد للطائفة المارونية خلفا للبطريرك الحالي الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الذي يدخل في 15 أيار المقبل عامه التسعين. 
ويرتدي «تداول السلطة» في بكركي أهمية خاصة نظرا الى ان البطريرك صفير قد استقال وختم عهده في بكركي وسط انقسام حاد داخل المجتمع الماروني خصوصاً, والمسيحي عموماً، إضافة الى تجاذب خطر بين من يمثل سيد بكركي ومكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني، هو الطائفة الشيعية، بسبب المقاومة وسلاحها، وخصوصاً بعد «النداء السابع» الذي أصدره المطارنة الموارنة بقيادة صفير في أيلول 2006، اثر هزيمة إسرائيل في حرب تموز، واعتباره المقاومة المسلحة لـ«حزب الله»، بمثابة ميليشيا خارجة على القانون! 
وكان متوقعاً أن يؤدي الاحتفال باليوبيل الفضي للبطريرك السبت الماضي في بكركي الى جمع العائلة المارونية حول صفير، كما حصل يوم تولى السدة البطريركية عام 1986، إلا ان ذلك لم يحصل، ويا للاسف، بسبب «إشكال بروتوكولي». 
ومعلوم ان المأخذ الاهم على البطريرك، من الموارنة والمسيحيين الذين اختلفوا معه سياسياً، كان انحيازه الى فريق 14 آذار وخياراته السلبية حيال سوريا والمقاومة، فضلاً عن المظلة التي نشرها فوق الزعامة الحريرية، وتغاضيه عن الاخطاء التي ارتكبتها في حق سوريا ثم تجنيدها الشهود الزور ضدها، فضلا عن «تسامحه» مع الفساد وإرهاق البلاد بالديون، ما سبب هجرة عشرات الألوف من العائلات المسيحية، بعد بيعهم أراضيهم، ومغادرة البلاد الى غير رجعة! 
وهكذا، «يرحل» الحريري وصفير، قطبا المعادلة في «ثورة الأرز» في مصادفة غريبة، تشبه مصادفات الثورات العربية التي تكتب تاريخاً عربياً جديداً لن يكون لبنان بعيداً عنه، إذا احسن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اختيار تشكيلة تمثل صدمة من خلال مشروعها الذي يلتقي وطموحات اللبنانيين، في تجاوز لـ8 و14 آذار، ووضع البلاد على طريق المستقبل، في ضوء ما ستفضي إليه الرياضة الروحية التي بدأت أمس في بكركي لانتخاب بطريرك جديد سيكون عونا لميقاتي، وهو سيكون مختلفاً عمن سبقه، وخصوصاً بعدما اعطى البطريرك صفير يوم تكريمه السبت الماضي امثولة للجميع، علمانيين واكليريكيين، مسيحيين ومسلمين، في الشجاعة والتواضع حين قال: «اني استغفر من ظن اني اسأت إليه، بأي طريقة كانت»! 
وحبذا، بهذه الروحية، لو تخصص الخلوة اليوم للمصارحة والمكاشفة بين البطريرك والمطارنة حول الأسباب التي جعلت بكركي في قطيعة مع فريق كبير من ابنائها، وعلى رأسهم زعماء بارزون، وتحول البطريرك الى رئيس لـ«حزب الله الماروني»، وفي قطيعة كذلك مع الشيعة والمقاومة وجماعات إسلامية ودرزية اخرى. 
ثم من أفاد من جعل المسيحيين يتحاربون، تحت ناظريه. الأمر الذي اضعف الموقف المسيحي، وشجع على الهجرة، كما جعل الحكم الذي سانده ينكر على ابناء طائفته حقهم في الكثير من المناصب؟ 
ثم أخيراً: هل فعل ذلك بـ«وحي ما»، ام انها كانت قناعة شخصية في شؤون سياسية لا يفترض في البطريرك ان يلمّ بها. ومن يحاسب البطريرك إذا اخطأ زمنياً؟ 
وهل أدرك ان ذلك اضعف بكركي وموقع بطريركها الذي خلف واحداً من أهم البطاركة المعاصرين، ونعني به البطريرك الياس الحويك الذي وثق به المسلمون والمسيحيون ليمثلهم في مؤتمر السلام في باريس عام 1919، فاستعاد الاستقلال رغم معارضة فرنسا، على امل ان يخلفه من يبني دولة الاستقلال التي لا يزال جميع اللبنانيين في انتظارها. وكان يمكن ان تنطلق ورشتها في 14 آذار 2005 لولا الألاعيب والاحتيالات، دولة مدنية، غير طائفية، تحترم الأديان ولا تلغيها؟. 
إن المطلوب اليوم من السادة المطارنة بطريرك مختلف، يختاره المطارنة، لا الروح القدس، عن وعي، لدوره التوفيقي، فيعيد وصل ما انقطع مسيحياً وإسلامياً؛ رئيساً روحياً ومرشداً وقائداً زمنياً يفرضه الواقع الطائفي الحالي، عاملا على وقف الهجرة بعد تحديد أسبابها، واعادة ربط المسيحي بأرضه على غرار ما يفعله ابناء الطوائف الاخرى؛ 
بطريركا معتدلا، بحسب تعاليم الكنيسة، «رئيساً لكنيسة، وليس رئيساً لفئة ضد اخرى»، يقول المطران يوسف بشارة الذي سيشرح اليوم للمطارنة صفات البطريرك السابع والسبعين، ودوره الذي حدده له المجمع البطريركي الماروني. 
فهل يكتمل التغيير ببطريرك أمل، يكون عونا للرئيس المكلف، ويعيد توحيد المسيحيين حوله، كما يعيد الجسور مع الفريق المسلم الذي قطع معه؟ 
Edmond@EdmondSaab.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق