الجمعة، 18 فبراير 2011

إلى الحبر الأعظم: هؤلاء هم أحفاد مارون بقلم المحامي أنطوان عقل



قرأنا وسمعنا الكثير من كلام بعض البطاركة والاساقفة والعلمانيين الذين حاضروا في حضرة قداستكم خلال انعقاد سينودوس الشرق الاوسط، وبخاصة ما ذكره بعض هؤلاء من ان المسيحيين في لبنان محبطون،
 زاعمين بالحرف "ان مسيحيي لبنان اصبحوا اليوم محشورين بين الزوال والانعزال "مما يشكل تهديدا لنهاية دورهم التاريخي ورسالتهم". ثم اضاف المتكلم قائلا: "كان لبنان يبدو لمعظم مسيحيي المنطقة ملجأ قد يقصدونه اذا زاد تردي احوالهم في بلدانهم، ولكنه لم يعد اليوم كما كان في الماضي، مما يضاعف اسباب القلق".
إن الذي يخاطبكم، يا صاحب القداسة، لم يكن له شرف المثول امامكم ليؤكد لكم ان الكثير مما سمعتموه لا يعكس الحقيقة، ويدل الى جهل لتاريخ لبنان وتركيبته مدى العصور، ما جعل سلفكم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وهو من عظماء الكنيسة، يؤكد من على منبر قرب سيدة لبنان "ان لبنان هو اكثر من وطن، بل هو رسالة".
يا صاحب القداسة،
إن لبنان لم يكن ملجأ للمسيحيين على اختلاف مذاهبهم فحسب، بل كان ايضا ملجأ للمسلمين على اختلاف مذاهبهم.
في اوائل الجيل الخامس للميلاد، وبسبب اضطهاد بعض الرهبان المسيحيين لاخوتهم المقيمين معهم في احد الاديار على ضفاف العاصي، هرب من بقي منهم على قيد الحياة فجاءوا لاجئين الى لبنان.
وبعد مئتي سنة، في اوائل الجيل السابع للميلاد، وبسبب اضطهاد بعض المسلمين لاخوتهم المسلمين حول الخلافة، هرب بعض هؤلاء وجاءوا لاجئين الى لبنان.
وكذلك القول عمن يُعرفون "ببني معروف"، فأصابهم الاضطهاد ايضا وجاءوا لاجئين الى لبنان.
وهكذا اصبح لبنان، على مر العصور، ملجأ للمضطهدين من كل دين ومذهب، ينعمون في ربوعه، في جباله وسهوله، ووديانه وشواطئه، بنعم الحرية، والتسامح، واحترام الغير، والقبول به، ما جعل سكان هذا الوطن امة موحدة يفاخرون بها على سائر الامم.
وكم كنا تواقين الى تذكير هؤلاء المتكلمين في حضرتكم بأن احد البطاركة الموارنة المقيمين في وادي قنوبين، وهو البطريرك يوحنا مخلوف، اضطر الى ترك الوادي هربا من بطش احد المقدمين الموارنة، فجاء قاصدا الامير فخر الدين المعني طلبا لحمايته، وبسبب غياب الامير ولجوئه الى توسكانا في ايطاليا هربا من شر والي الشام، سارع ابنه الامير علي الى عرض ضيافته على البطريرك، وليسهم في بناء كنيسة السيدة في مجدل المعوش من جيبه الخاص حيث اقام البطريرك في تلك البلدة اثنتي عشرة سنة مع اخوتنا من بني معروف.
وتجدر الاشارة الى ان جبل لبنان، ايام السلطنة العثمانية التي دامت اربعماية وسنتين، كان الوحيد بين البلدان التي سيطر عليها العثمانيون في البلقان والشرق الاوسط وافريقيا الذي ينعم بالاستقلال في حكم الامراء التنوخيين والبحتريين، والمعنيين، والشهابيين الى جانب اخوتهم الموارنة.
وان الحاكم العثماني جمال باشا، عندما نصب المشانق ضد اللبنانيين الاحرار المطالبين بسلخ لبنان عن السلطنة، لم يفرق بين مسيحي ومسلم، فإن شهداء الوطن ينتمون الى كل الطوائف والمذاهب.
وان الاعتداءات التي تعرض لها المسيحيون في تلك الفترة، وقبلها، كانت جلها من الجيوش الاجنبية التي دخلت لبنان، وظل المسيحيون بالرغم من تلك الحقبة السوداء متجذرين بأرضهم متمسكين بها وبحرية معتقداتهم.
وكنا نود تذكير المتكلمين في حضرة قداستكم، بأن كل الزعماء المسلمين، على اختلاف مذاهبهم، فوضّوا احد عظماء البطاركة الموارنة الياس الحويك ليمثلهم في مؤتمر الصلح الذي عقد في فرساي سنة 1919 ليطالب باستقلال لبنان وانسلاخه عن السلطنة، وتفويض فرنسا عن طريق الانتداب لادارة شؤونه طوال ربع قرن.
وغاب عن ذاكرة المتكلمين ان الذين غادروا لبنان خلال الحرب العالمية الاولى، او قبلها وبعدها، كانوا من المسيحيين والمسلمين على السواء، وذلك بسبب تردي الحال المعيشية وضيق ذات اليد، وهم اليوم منتشرون في شتى انحاء العالم، ولم نسمع يوما ان احدا منهم قد هاجر من لبنان بسبب الاضطهاد.
ولم يقل لقداستكم احد من المتكلمين ان لبنان، يوم توحد جغرافيا وسياسيا لاول مرة في تاريخه في الاول من ايلول سنة 1920، رضي زعماؤه من مسلمين ومسيحيين بأن يكون اول رئيس للجمهورية سنة 1926 من المسيحيين.
ويوم اعلان استقلال لبنان سنة 1943 ارتضى المسلمون ان يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ضمن ما عرف يومذاك بـ"الميثاق الوطني".
كما ارتضى المسلمون اللبنانيون ان يتضمن الدستور اللبناني المنبثق من اتفاق الطائف حق الموارنة في الرئاسة الاولى التي اصبحت حقا دستوريا.
وكلمة الحق التي كان على المجتمعين قولها في حضرة قداستكم هي ان اسباب هجرة المسيحيين في الاونة الاخيرة تعود الى الاقتتال في ما بينهم واشهار سلاحهم بعضهم على البعض، اضافة الى سلطة كنسية ضعيفة ومنحازة أحياناً الى فئة منهم دون الاخرى.
والاخطر من ذلك هو استنكاف المراكز المسيحية التي تملك عن طريق الهبات اكبر ثروة عقارية في لبنان، كما انها تملك العديد من المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات عن استقبال المحتاجين من طالبي العلم والاستشفاء والسكن والعيش الكريم.
مع التماس بركتكم الرسولية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق