الجمعة، 18 فبراير 2011

مطران زحلة الكاثوليكيّ بقلم فارس الشمالي



ما يثير غضب المسيحيّين في الشرق أنّ رؤساء طوائفهم يتعاملون مع المستجدّات في العالم العربيّ بأسلوب ينقصه الوعي والاستشراف والمعرفة والمنطق والمحبّة. فهم مشغولون بصراعاتهم الداخليّة، مأخوذون بالمظاهر الخادعة، منساقون خلف مطامع آنيّة، عاجزون عن إيجاد أبسط الحلول لمشكلات لا يجوز التغاضي عنها وإهمالها. كلّ هذا تهديد للوجود المسيحيّ في المشرق العربيّ يعادل إن لم يتخطّ الخطر الأصولي والأنظمة الرجعيّة.
ولعلّ أكثر ما يحزّ في نفوس المسيحيّين الطريقة التي يتمّ بها اختيار رؤسائهم الروحيّين، بدءًا من كهنة الرعايا وصولاً إلى الأساقفة والقيّمين على الممتلكات العامّة. فيتناسى الجميع أنّ المسيح اختار رسله من المنطقة التي وجد فيها، ولم "يستوردهم" من الخارج، لعلمه أنّ أبناء المنطقة يعرفون لغة أهلها وعاداتهم وتقاليدهم وطريقة تفكيرهم. بينما يتصرّف رؤساء طوائفنا بطريقة عشوائيّة لا تنمّ عن رؤية لواقع الحال أو عن رؤيا مستقبليّة لما سيكون عليه الوضع إن فُرض على الناس من لا يعرفونه ولا يعرفهم. ومن المؤسف أنّ الأسباب التي تكمن خلف هذه الممارسات تنبع من الكيديّة والعناد أو معاقبة من يراد إبعاده عن مريديه ومحبّيه، ومكافأة من يوالي ويطأطئ الرأس أمام أصحاب السلطات العليا.
من الواضح أنّ القيّمين على الأمور في طوائفنا لا يرون ما يحدث في دول رضخت لأعوام طويلة للديكتاتوريّات ثمّ انتفضت، فهل تظنّ الكنيسة أنّ أبناءها أقلّ شجاعة وهم أبناء من ارتضى الموت حبًّا بهم؟ أو أقلّ رغبة في الحريّة والله نفسه يحترم حريّة الإنسان؟ أو أعجز من أن يرفضوا الأمر الواقع والمسيح علّمهم ألاّ يخافوا لأنّه معهم إلى منتهى الدهور.
فهل يرعوي أولو الأمر قبل أن يتحرّك المسيحيّون مطالبين بحقّهم في المشاركة في اختيار من يثقون به ليسلموه شؤونهم الروحيّة في وقت يختار من بيده الحلّ والربط منفّذين يأتمنهم على الشؤون الماديّة؟
نسوق هذا الكلام ونحن نفكّر، في البداية في من سيخلف غبطة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وفي ما يعنينا نحن أبناء طائفة الملكيّين الكاثوليكيّين من أمر زحلة، أكبر مدينة كاثوليكيّة لا يمكن أن يكون راعيها أسقفًا عاديًّا في هذه الظروف غير العادية.
صحيح أنّ الأساقفة لا ينتخبهم المؤمنون، بل يعيّنهم البطريرك، غير أنّ هذا لا يعني أن يفرض البطريرك على أبناء الرعيّة أسقفاً يلائم مصالح قوى إقليميّة ودول وزعامات، فقلد ضقنا ذرعًا بسفارات الدول التي تفرض قيادات البلد بدءًا من الرؤساء الثلاثة. وسلطة البطريرك لا تعني أن ينتدب علينا من هو بعيد كلّ البعد عن هموم الناس وعن جوهر الإيمان، وعن صلابة أهل المنطقة التي جعلتهم حتّى الآن سدًّا منيعًا في وجه طغيان العدد وهجمة رأس المال.
فمطلوب من مطران زحلة الكاثوليكيّ أن يكون ذهبيّ الفمّ، أبيض السريرة، شجاعًا، حكيمًا، محبًّا، مفكّرًا وقدّيسًا. وأن يكون قدوة لسائر المطارنة أكانوا من الملكيّين أم من الطوائف الشقيقة. فلقد آن الأوان كي يعود الهيكل مكانًا للصلاة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق