الخميس، 10 فبراير 2011

القرار الاتهاميّ يستكمل الفوضى بقلم هيام القصيفي

دير مار مارون - عنّايا - الصورة من مدوّنة الأب جوزف

القرار الاتهامي يستكمل الفوضى العربية ولبنان يواكب الأزمة بخلاف على البنزين ! 
 صحيفة النهار 4 شباط 2011
***
تذكّر الفوضى التي تشهدها تونس ومصر بالعبارة الاميركية التي انتشرت مع حرب العراق الثانية اي "الفوضى البناءة او الخلاقة"، في اطار رسم ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لمشهد الشرق الاوسط الجديد. ومن السودان حيث رسم الاستفتاء مصير جنوبه، الى تونس ومصر واليمن والاردن، حيث تقوم التظاهرات تحت عناوين اقتصادية او سياسية، تنتشر الفوضى من دون ان ترتسم بعد في الافق الخاتمة التي يمكن ان يرسو فيها هذا الانفلات الكبير، لا سيما في احدى اكبر الدول العربية الفاعلة.
ووسط هذه الفوضى العامة ينصرف لبنان ومعه سوريا وايران الى ترقب اعلان القرار الاتهامي الذي يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وتخشى مصادر سياسية متابعة لتطور عمل المحكمة وارتباط المحاكم الدولية بتطورات اوضاع الدول ذات الصلة، ان يستخدم نشر القرار الاتهامي كعامل مؤثر ودافع جديد يدخل البلدان الثلاثة في الفوضى التي بدأت تعم الشرق الاوسط. وتتعاظم الخشية من ان يصبح القرار اداة جديدة لاستكمال المشهد الفوضوي لاعادة تركيب المنطقة على اسس وضعها منظرو "المحافظين الجدد" في الادارة الاميركية السابقة، وتطبق في عصر الديموقراطيين.
وثمة مخاوف جدية من ان يدفع هذا القرار لبنان الى جملة تحديات داهمة لا يبدو ان الطبقة السياسية مدركة حتى اليوم اخطارها الحقيقية، خصوصا ان مرتبة لبنان تراجعت مرة اخرى في اولويات ادارات الأزمات الاقليمية والدولية للازمات، والمنشغلة بترتيب البيت العربي بطريقة لم تشهدها الساحة العربية سابقا.
فالجغرافيا السياسية التي نصح النائب وليد جنبلاط الرئيس سعد الحريري بقراءتها تحمل اوجها مختلفة، والتطورات المتسارعة في المنطقة هي سيف ذو حدين، لان ثمة ايحاءات بسقوط انظمة "سنية" في مقابل مد شيعي تكبر قوته يوما بعد آخر، وهذا امر قد لا تكون ترجمته حميدة في وقت قريب. كما بدأ يظهر في بعض الدول السنية، حيث ظهر الصراع الخفي الذي كان دائرا بين مصر وتركيا على تزعم الحالة السنية في الشرق الاوسط. واظهرت تصريحات المسؤولين الاتراك تجاه الرئيس المصري حسني مبارك عمق هذا الصراع وخفاياه، مما ترك ذيولا جدية على علاقة السعودية بتركيا، لا سيما ان حركة وزير الخارجية التركي داود اوغلو في اتجاه قطر كانت لافتة من ضمن المحور الذي ظهرت اولى اشاراته خلال رعاية اتفاق الدوحة، - مع ايران وسوريا - واتجاهه الى اداء دور متقدم على الساحة الاقليمية. وهذا ما يمكن ـ أن يثير خشية انظمة سنية في الخليج بدأت تعيد حساباتها في ساحات نفوذها كما في دولها ايضا.
 اما اسرائيل فتجد حتى نفسها مطوقة باحتمالات التغيير الذي قد يطاول مصر، والتأثيرات التي يعيشها الاردن بفعل الحذر من امتداد التطورات الشعبية الى ارضه. والخشية التي يعبر عنها المسؤولون الاسرائيليون حول اتفاقات السلام المعقودة بينهم وبين الاردن ومصر، تترجم مخاوف حقيقية من المتغيرات التي قد تلحق بأي تطور ميداني سواء في سيناء او في غزة. وتل ابيب التي اعتادت ان تكون مصر وسيطا في اي تطور امني او عسكري تشهده غزة، تجد نفسها محاصرة اليوم من دون وسيط ثالث تركن اليه في المواجهة مع "حماس" قررت الاخيرة القيام بأي عملية ما. وهذا الامر له مثيله في لبنان، حيث لا يمكن اسرائيل الا ان تتخوف من "حزب الله" في غياب اي مرجعية لبنانية تلتزم القرارات الدولية او تسير بها كما حصل ابان القرار 1701. ويخشى ان يرتد الطوق الذي حوّل اسرائيل جزيرة وسط انظمة بدأت تتغير او تنحو في اتجاه تبدل في اوضاعها، على دول الجبهة الشمالية لاسرائيل مما قد يدفع الى توقع سيناريوات غير مأمونة الجانب.
 في المقابل، تعيش سوريا وايران، اللتان دفعتا الى تغيير حكومي في لبنان، حالة ارباك تتعدى مطالبتهما "بالحرية والديموقراطية" لشعبي مصر وتونس. فالسرعة التي تم فيها الانقلاب على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والاتيان بالرئيس المكلف نجيب ميقاتي لا تشبه بشيء التأني الذي ينعكس حتى اليوم عجزا عن تشكيل الحكومة تحت غطاء جملة اعذار عكستها صحيفة "الوطن" السورية، وليس الرئيس المكلف. فاذا كان المسار البطيء والعقبات التي تعرقل تشكيل الحكومة استأثرا بهذا الكم من الجدالات والمماحكات، فبأي طريقة يمكن التعامل مع قرار اتهامي كالذي تتحدث عنه وسائل الاعلام الغربية ويمكن ان تكون له ارتدادات وخيمة على لبنان. وسوريا وايران اللتان تبدوان مشغولتين بتطورات الوضع العربي ستكونان ايضا منغمستين في معالجة ذيول القرار الاتهامي وتفاعلاته في العالم العربي ودول الخليج والاثر الذي يمكن ان تترتب عليه اي صلة للقرار الاتهامي بسوريا او "حزب الله".
 اما في لبنان فلا تبدو مواكبة زمن التحولات العربية، كما القرار الاتهامي، على قدر من الاهمية. حتى ان الحدث الاقليمي لا يظهر في اسلوب تعامل هذه القيادات قولا او فعلا مع حدث على مستوى التحول المصري. ففي زمن التحولات العربية السابقة كما حصل ابان حكم الرئيس جمال عبد الناصر كان الزعماء اللبنانيون متورطين في الشؤون العربية وتأثيراتها على دول المنطقة ولبنان، كما حصل مع "حلف بغداد" زمن الرئيس كميل شمعون او حتى في تحييد لبنان بعد فشل الحلف عبر تجربة الرئيس فؤاد شهاب مع عبد الناصر. وكذلك فعل الزعماء المسلمون من خلال مواكبة الحدث العربي وتبدلاته التي تركت لاحقا اثرها على لبنان، باندلاع حرب 1975. اما اليوم فيواكب المسؤولون اللبنانيون الحدث العربي واحتمالات القرار الاتهامي، اما بترتيب الوراثة السياسية عبر الوزارات، او بتسجيل نقاط حول سعر صفيحة البنزين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق