الخميس، 10 فبراير 2011

دعاء من أجل لبنان بقلم المطران جورج خضر

الوادي المقدّس في قنّوبين

هذا البلد، بلدنا، ربي، بين يديك. ارتضيناه، جيلا بعد جيل، لحياتنا. ولكن سر إجماعنا عليه اننا آمنا بنعمتك عليه ونحن نؤمن انها باقية عليه ان نحن اطعناك وأطعناك أمة واحدة لنشهد للعالم على اننا، على اختلافنا في ما ورثناه من ذاكرتنا الجماعية نحن مؤهلون، بنعماك على الايمان بك، وسنسعى مع الصابرين القديسين ان نتمم ما يرضيك. قادنا التاريخ الى تلازم العيش على هذه البقعة من الدنيا ووثقنا بعد صراعنا الأرواح الشريرة التي في الجو انك تريدنا ألا نهجر هذه الأرض استرحاماً لأولادنا. لقد عشنا زمناً مديداً على جراح وعلى تضميد جراح.
اغفر لنا كل خطيئة قادت الى جرح آخر وتغاضَ عن إغفالنا له. ولعلنا نسينا ان اثم الغفلة عظيم. قد يكون الصغار الصغار أعظم في عينيك من الكبار علّم الأكابر انهم واحد مع الأصاغر. أدعو ايضا من أجل المستكبرين الذين لا يعرفون أنفسهم أذلة. على جهلهم هؤلاء هم لك أيضاً فالقبيح عندك كالجميل اذ لا تستقبح انت أيضاً من تاب. ليس أحد منا قائما بقوته. انت القدوس والقدير وحدك. المخدوعون بقدرة عقولهم وكيدهم وضمهم كل آفاق الدنيا الى شهوات صدورهم ارحمهم هم أيضاً وأعدهم الى التواضع الذي ناديتنا جميعاً به حتى يسكنوا اليك ويستمدوا منك طرق سلوكهم عسانا نحن التائبين اليك نضم الجميع الى حنانك. نجنا من الدماء يا الله اذ خشيتي ان تبغض قاتلي البلد ولا تغفر لهم. والأعزة عندك محتقرون في هذه الأرض. قد همس الشيطان في آذان الكثيرين وقد سمعنا القليل أو الكثير من هذه الوسوسات وصدقناها. قد يظن أهل الحل والربط ان في ايديهم الحلول لأنهم يؤمنون بذكائهم. لست أنا ديانًا لشعبي فإنك جعلت الدينونة بين يديك. وليست نيتي ان أقول إن بينهم اغبياء ولكن كل منا يفحص عقله وقلبه يرى ان كان بطريقة أو باخرى انقاد الى شيء من الغباوة وأسهم في دمار هذا البلد.
• • •
انت رب لكل طوائف هذا البلد. كلها باللسان موحدة والقلب انت تعرفه. قوّم قلوبنا، طهّر نياتنا لنعبدك مما من القلب ينضح على اللسان فنستقيم. إسلام العالم سيبقى بعد ملايين من السنين. وسترى الطاهرين منهم لك. وإيماني انك ستحفظ المخلصين من المسيحيين حتى نهاية الدهور. كذلك ايماني بأن جمع الشعوب في ملة واحدة ضرب من الخرافة. وما يؤنسني يقيني أن الانسان له ان يحب من اختلف معه في المعتقد وتقاليد المعتقد وما تحول منه الى جماهير حضنته كما تشاء أو كما قدرت. كذلك يقيني ان بيننا عقلاء كثيرين يحافظون كل منهم على ما استلم من ربه وما خذله. ليست القضية ان يجتمعوا حول مصالح هذه الدنيا في حكمة هذا الدهر ولكن بحسب الحكمة التي توحيها – انت لهم في قلوب منكسرة – لا تبح يا سيد لأحد منا أي نوع من الاستباحات ولا أي شعور بالاستعلاء ولا أي تنطح للسلطة ان كان حقا قادراً على الحب وعلى اجتماع المحبين لإعمار لبنان فكراً وعملاً. هذا طبعاً يقتضي ترتيباً لأمور تبلغ أحياناً ذروة في التعقيد ولكن هبنا ألا نعقد الأمور استكباراً أو طمعاً في التسلط. حبهم لك يعني في ما يعني انه لا حق لأحد باسم الدين أو المذهب ان يقود هذا البلد وحده وممنوع على اية طائفة ان تربط كرامتها بهذا المنحى أو ذاك من السياسة. هذا يطرح مسألة الطوائفية التي أرجو ان تسمح لي بالا أجعلها بعضاً من دعائي. هذه لن تذهب إلاّ بدوس قدميك لها. أما الطوائف فلا يهمك ان تكون مكونة فقط من أجساد. انت ترى وجوهاً جميلة في كل تكوين تاريخي ومن كان جميلاً لديك يتعاون ومن تستحسن من كل صوب، لذلك ترتكب معصية ضد الانسان تلك المجموعة التي تعتبر نفسها الأبهى والأفعل والأبقى. "كل جمال عشب وكل جماله كزهر الحقل. يبس العشب، ذبل الزهر لأن نغمة الرب هبت عليه. حقا الشعب عشب" (اشعيا 40: 6 و7). وفق كلام نبيك أقول كل طائفة عشب. واذا قالت كلمتك تكون أو الأحسنون فيها يكونون. وانت تتمجد فيهم ولا تنظر الى امكنة صلاتهم بل الى صلاتهم.
• • •
ليس مرادك ربي ان تلقن اللبنانيين فقه السياسة. هم خبراء في هذا الحقل، علمهم الصدق أولاً وألا ينتقصوا من مجد الجماعات الأخرى لأن كل مجد زائل كعشب البرية. هم يفرحهم كثيراً انهم يتقنون فن إدارة البلد. ولكن قلة منهم تعلم ان الله ليس حليف أي مكون مجتمعي في هذا البلد لأنه فقط حليف من أحبه. ولعل أفضل إلهام يحتاجون اليه ان عشق المال باطل وانه كان خراب البلد في مرحلة ليست ببعيدة. قلت هذا لأني رجل طاعن في الشيخوخة ورأيت أزمنة أجمل. انت قادر الآن ان تجعل الأيام الآتية أجمل من كل ما مرّ علينا من أيام. عالجنا يا رب علاجاً سريعاً لأننا مشرفون على الموت الروحي. من زكى نفسه لأي سبب سياسي بتحليل يعتبره صحيحا وقتل نتيجة تحليله هذا مآله غضبك. ارحمنا يا رب ارحمنا لأننا لما جرحنا البلد اخطأنا اليك وهذا هو الموت الكبير. توبتنا اليك تسوقنا الى ان نتوب الى الآخرين والى ديمومة لبنان لخدمة بني الانسان. آمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق