السبت، 26 فبراير 2011

مارون مارون ماذا فعلنا بك؟ للأب طوني خضره


الأب طوني خضره


إن الأعياد هي مناسبة للقاء والفرح، وعيد مار مارون هذه السنة عيد في ثلاثة أعياد . إنها مناسبة فريدة للوقوف أمام الذات والتفكير بحياتنا ووجودنا وحضورنا ومشاريعنا، ليس إنطلاقاً من تقييمنا لذواتنا، أو إنطلاقاً من فخرنا بمارون وحياته وإرثه فقط ، بل إنطلاقاً من روحيته وقضيته المقدسة، حتى لا نعيش على الأطلال وحسب ،بل لنطل على العالم بحلة جديدة وقضية متجددة وروحية ديناميكية واستراتيجية فعّالة.
عيد في ثلاثة أعياد: عيد مارون في 9 شباط ، ومرور 1600 سنة على وفاته وإزاحة الستار عن تمثاله على مدخل كنيسة مار بطرس في روما (23 شباط). في كل هذه المناسبات والأعياد، المطلوب منا واحد: خطة طوارىء لمراجعة حياتنا وإعادة تقويم مشاريعنا ومؤسساتنا وخططنا، لكي يفتخر بنا مارون كما نفتخر به دائماً، ويجد عندنا الإيمان نفسه الذي سلمنا إياه.
إن مراجعة الذات هذه تبدأ من صرخة لمارون اليوم في ضمير كل واحد منا: موارنة موارنة، ماذا فعلتم بي؟
وأسمح لنفسي وإنطلاقاً من مبدأ مراجعة الذات، أن أطرح بعض الأسئلة على ذاتي، وذلك بصوت عالٍ مصحوب بإيمان قوي، بأن صدى كلماتنا وأفكارنا لا يجد عمقه الحقيقي إلا في قلب الجماعة وضميرها.
1- إن ميزة مارون الفريدة كانت تحويل الدير الى شراكة وليس الى شركة، والشركاء فيه الى جماعة وليس الى مجموعة افراد تجتمع معاً. إن ميزة مارون كانت الغاء الفردية وليس التفرّد، ليصبح بذلك أول قائد روحي يجتمع مع شركاء الدير ليجعل منهم شراكة حقيقية وعلامة وحدة للعالم، مقدسا ذاته من أجلهم لكي تكون لهم الحياة كاملة. فأين نحن اليوم من هذه الشراكة والفرادة وحسّ الجماعة وعمق الحياة التي تحي؟
2- إن همّ مارون الأول كان بنيان الجماعة الواحدة والشاهدة والفاعلة والقادرة على إستنهاض البشر والحجر والسهل والجبل، إلى جانب بنيان الحجر والمؤسسات.  فأصبح ديره على العاصي رمزاً للجماعة القادرة على التغيير وتنبض بالحياة شهادة للوحدة في الشرق كله . وبذلك عصى بديره وحياته وجماعته على كل الأشرار وخبثهم، وإنفتح بعصاميته على أحبائه وطالبي الحياة، مضحياً بذاته،  ولم يحسب لنفسه شيئاً بل أعطى كل شيء لشركائه وأبنائه حتى التخلي عن إسمه الذي وهبه لهم ليصبحوا أول جماعة في التاريخ تحمل إسم قائدهم الروحي بعد المسيح.
ونسأل في هذه الصدد أين أصبحت اليوم أديارنا ومؤسساتنا ومشاريعنا مقارنة مع قضية مارون؟ وهنا لا أجد سوى كلمات الأب هنري بولاد اليسوعي في كتابه: "الحياة الرهبانية في أيامنا"، خير وسيلة للتعبير عن هذا النقد الذاتي: "بقدر ما تصبح الرهبانيات والأبرشيات والجماعات مؤسسات تموت، إن لم تعد سوى بناء عمارة من القوانين والأنظمة والنشاطات... أحياناً نرى الحياة المسيحية في أيامنا، على مستوى الإنجازات من مدارس ومستشفيات، ومآوٍ ومؤسسات إجتماعية ... هذا كله حسنٌ جداً، ولكن، هل أن تلك المؤسسات تنادي الناس فعلاً؟ هل هي علامات إستفهام مطروحة على الناس؟ ونداءات تدعوهم اليوم من خلالنا؟". دعوتنا في أن نشهد لقوة الإنجيل وليس في أن نساهم بتأمين الإستمرار لمؤسساتنا.
الرسل لم يتبعوا يسوع إنطلاقاً من برنامج حياة، ولكنهم تبعوه إنطلاقاً من يسوع".
ربما رسالتنا اليوم تكمن بالتحديد في أن نعرض على شعبنا مثالاً مستحيلاً. وما دمنا نعرض عليهم أموراً "ممكنة" سيظلون مشمئزين، لأنهم محاطون بكثير من الأمور "الممكنة" والسهلة.
المستحيل وحده يولّد شيئاً في نفوسنا. "ليس الطريق مستحيلاً، بل المستحيل هو الطريق".
3- أمنيتنا أن يكون وجودنا اليوم معاً في الأعياد الثلاثة لمارون، وبخاصة وحدتهم حوله في المناسبات التي تنظم خارج لبنان، إنعاكساً لوحدة حقيقية وليس شكلية. يلتقون حوله ولا يلتقون فيما بينهم فقط، يتوحدون في أعياده ولكنهم يتفرقون داخل جماعته الواحدة. ألم يترك مارون كل شيء ليربح الكل الى المسيح؟ إنه قائد ضحى بنفسه من أجل جماعته ولم يسمح ولو لمرة واحدة المسّ بجماعته وقضيتها من أجل ذاته، لاحباً بعروش زائلة ولا تعلقاً بنظرة شخصية أو مصالح ضيقة آنية.
4- 1600 سنة على وفاته وما زال شامخاً كالأرز في السماء، يجسد عنفوان القداسة والشرف الإنساني والكرامة العالية. يصلي لحماية جماعته لكي تبقى نوراً ساطعاً وخميراً في العجين. يريدنا جماعة كما بناها على الصخر لا تقوى عليها أبواب الجحيم. إنه قديس القضية والإنسان والجماعة والوحدة والرؤية. وهنا لا بد من السؤال أمام ذواتنا: كيف يمكن أن نسمح للإحباط بالدخول الى قلوبنا وجماعاتنا؟ وهل يمكن أن نفكر ولو للحظة أن نتخلى عن فرادتنا وريادتنا وثورتنا البيضاء على الظلم والظالمين؟ أين نحن من الوحدة الحقيقية؟ من القضية الإستراتيجية وتنفيذها على أرض الواقع في ورشة عطاءات ومشاريع تثبتنا في الأرض المجبولة بدماء قدسينا وأبطالها وشهدائنا؟
في النهاية كنت أتمنى أن تبقى هذه التأملات التي تضج في داخلي أسيرتي فقط ، لأني ترددت كثيرا في الكتابة عندما طلبت مني الزميلة "المسيرة" لأكتب على صفحاتها بمناسبة أعياد مارون.
ولكن تبقى هذه الأسئلة شخصية، لا أريد منها التعميم أو الحكم على أحد ، بل بالأحرى هي مشاركة صادقة لمن يريد أن يشاركني الهواجس والتطلعات نفسها.
يبقى من الأهمية بمكان أن تستمر قضية مارون من خلالنا بكل مارونيته وإنسانيته ومسيحيته مثالاً ساطعاً أمامنا وقدوة لنهضة ضرورية، مستعجلة، لا بد منها للعودة إلى الجذور، حتى إذا جاء مارون ثانية يجد إيماناً عند أبنائه، ولكي يفتخر بنا كما نفتخر دائماً به، ونفعل العظائم على مثاله ليشهد العالم أن يسوعنا هو نبع الحياة، لا أن نفتعل العظائم ببعضنا .
وهنا لا بد أن نشكر الله ومارون على وجود أشخاص بيننا يتعبون ويكدون الليل والنهار في مؤسساتنا الكنسية والتربوية لتستمر القضية والرسالة، ولولا هؤلاء لما كان لنا فسحة أمل ورجاء. وبفضل أمثالهم نستطيع تدعيم البنيان والتعاون لما فيه خير جماعتنا وإستمرار شهادتها. 
 نحن بحاجة إلى وحدة، لا إلى تفكك. بحاجة الى وضع إستراتيجية لا الى صراع على المراكز. نحن أبناء قضية سامية ، فلا نتلهنا بقضايا صغيرة وأفكارفاسدة نأكلها لنموت موتاً.
أستمحيكم عذراً يا إخوتي القراء، غير أنني فضلت الصدق والصراحة على التستر وراء عظمة مارون وعباءته وتاريخه المشرق وكرامته الشامخة.
 فالصراحة في النور أقوى بكثير من الوشوشات في عتمات الليل.
                                                                                                                                                                                               الأب طوني خضره
رئيس الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق