الجمعة، 25 فبراير 2011

غبطة أبينا البطريرك بقلم ميشال إدّه



الوزير ميشال إدّه

كلما اقتربت من هذا الرجل الاستثنائي، تحققت أنّك في حضرة ايمان مسيحي صاف متّقد متجسّد، يحرس من خوف ويقي من يأس، فيما هو يتدفق صلابة روحية ووطنية لبنانية، قلما عهدناها الاّ لدى قلّة نادرة
 نادرة من صانعي الزمن.
 سوانح اقترابي من غبطة سيّدنا عشرات السنين احسبها نعمة حلّت عليّ، على المستويين الروحي والزمني في آن واحد. ففي لحظات معيّنة من هذا الاقتراب اذ بي أتنبه لاحقا وصورة عفوية الى انني كنت، بجواره وفي كنفه، أعيد اكتشاف مسيحيتي ومارونيتي الحقّة، وأعين من جهة ملازمة اخرى مسيرة بطريرك مكب يوميا في الوقت ذاته على اعادة نحت وطنه اللبناني وصوغ معافاته، بعدما أُدخل قسرا نفق السواد على درب الجلجلة. نعم، لقد واتاني الحظ السعيد عندما تسنى لي ان اتلمس من كثب تلازم اشراقة الرجاء، عند سيدنا، مع عزيمة لم تهدر دقيقة واحدة لتمتشق سلاح الموقف:
نعم! نحن بإزاء امثولة نادرة تعيد الاعتبار الى حقيقة ان سلاح الموقف في امكانه ان يصنع التاريخ دونما لجوء الى العنف، دونما احتكام الى السلاح القتّال. انها ادانة قاطعة لطالما جاهر بها سيدنا منذ تسلمه سدة البطريركية المارونية بخاصة، وان بدت هذه الحقيقة مزعجة لهذا او ذاك من اللاعبين. كان ولا يزال يعلّم بان الحقيقة اذا كانت جارحة فلأنها تحرّر.
 الهاجس الأبعد الدائم في تبصّر مارنصرالله بطرس صفير كان لبنان ولا يزال لبنان. رؤيته الى القضايا والوسائل تتعدّى دوما الاشخاص والتنظيمات والاحزاب والقوى، لتوقظ ولتبني ولتعزّز الوعي النقدي لدى اللبنانيين كافة. فوسط اعتى الرياح التي عصفت وتعصف بلبنان، ظلّ ويظل صاحب الغبطة رُبّاناً استثنائيا يجعلك تدرك، بحكمته وعناده في الحقّ، انّ الرياح لا تكون غير مؤاتية الا لمن لا يعرف الى اي ميناء يريد ان يصل حقاً. سيدنا كان عارفا، قاطع الوضوح في المعرفة: فاللبنانيون يريدون الوصول مجددا ودائما وابدا الى لبنان: لبنان الارض والكيان والدولة والعيش المشترك الكريم في ظلّ الحرية والديموقراطية. ومن دون ذلك، وبأي خلل في ذلك، ينتفي مبرّر لبنان ويزول من الوجود. بهذا يتجلّى مارنصرالله بطرس صفير ضمير لبنان الواضح وصخرة لبنان الصلبة في كل مسيرته التي اجتاز، اطال الله بعمره وبعمر هذه المسيرة الواضحة التي لم تَحِدْ يوما عن الالحاح على ضرورة العمل من اجل بناء، وترسيخ، وفاق وطني حقّ قائم على شراكة حقة، لا ينتاب احداً في كنفها شعور بخوف ولا احساس بغبن.
"لقد سبقني على الكرسي الانطاكي خمسة وسبعون بطريركاً، وسيأتي بعدي كثيرون. ولن اكون الحلقة التي تنكسر". هذا قول مأثور عن سيّدنا، ولسوف يظلّ مارنصرالله بطرس صفير حارس المستقبل كذلك. هنا سر هذه الحلقة التي لا تنكسر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق