الأحد، 13 فبراير 2011

الاستحقاق البطريركيّ والمعايير القانونيّة بقلم الخوري الياس سليمان



هناك حقيقة تثبت ذاتها مع تقديم البطريرك الماروني وبعض الأساقفة الموارنة استقالتهم، أنّ الكنيسة المارونية تقف أمام تحدّ كبير يقودها إمّا إلى عنصرة جديدة وإمّا إلى تغيير مؤسسي بحت شبيه بأي تغيير في مؤسسة تقوم على حقائق بشرية. والداعي إلى هذا الموقف ما رشح في وسائل الإعلام من تصاريح ومواقف ووجهات نظر وترشيحات تحاول أن تبدّل حقيقة الموقف من طبيعته الكنسية إلى لعبة عالمية يحسنها أبناء هذا الدهر.
أمام هذا الواقع لا بد من العودة إلى معايير تضبط إيقاع اللعبة وتعيد للأمور حقيقتها وتزيل الدنيوية عن مسؤولية خطيرة تقف الكنيسة المارونية في صددها. نجد هذه المعايير في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة سنة 1990 (م ق ك ش) والتي تحدّد طبيعة الخدمة البطريركية والخدمة الأسقفية وأسس اختيار المرشحين والمهمات التي عليهم القيام بها.
هنالك قوانين تعالج مباشرة موضوع انتخاب البطريرك (ق 63 – 77) وأخرى الأساقفة (ق 180 – 189). ترتكز خلفيّة هذه القوانين على مواصفات المرشَّح للأسقفيّة والجدير بها (ق 180). فعند انتخاب كل أسقف يجب الانتباه إلى أنّه مشروع بطريرك. فهل يجوز أن يصبح أسقفاً من لا يتمتّع بالمؤهّلات التي تسمح له باعتلاء السدّة البطريركيّة؟

أولاً – تنظيم الكنيسة البطريركيّة
تتجلّى الكنيسة البطريركيّة من خلال "م ق ك ش" مؤسّسة بالغة التعقيد في تنظيمها وعلاقاتها. محورها هو البطريرك المترئِّس سينودس أساقفة الكنيسة البطريركيّة، وهو صاحب السلطة العليا في هذه الكنيسة (ق 102 – 113)، والسينودس الدّائم (ق 115 – 121). هنالك أفعال يحتاج البطريرك للقيام بها إلى رضى سينودس الأساقفة (ق 57 البند 3؛ 85 البند 1 – 2؛ 98؛ إلخ) أو استشارته، وأخرى إلى رضى السينودس الدائم (ق 83 البند 2؛ 85 البند 3؛ إلخ) أو استشارته
فالبطريرك لا يقود الكنيسة البطريركيّة بمفرده، بل هو رجل مؤسسي يمارس سلطته من خلال العمل المشترك مع الأساقفة، ويستعين بغيرهم لاسيّما بأعضاء الدائرة البطريركيّة التي تعاونه بشكل مباشر، ومقرّها في كرسيّه البطريركي. تتكوّن هذه الدائرة من "السينودس الدائم وأساقفة الدّائرة البطريركيّة، ومحكمة الكنيسة البطريركيّة المألوفة، والمدير المالي البطريركي، ورئيس قلم الدّائرة البطريركيّة، ولجنة الشؤون الطقسيّة، وسائر اللّجان الأخرى التي يلحقها الشرع بالدّائرة البطريركيّة" (ق 114 البند 1). ولكل من هؤلاء دوره المهم في مساعدة البطريرك على القيام بتنظيم الكنيسة البطريركيّة وقيادتها صوب الملكوت السّماوي. يركّز المشترع على الشفافية الماليّة في هذه الكنيسة. فالمدير المالي لا تربطه بالبطريرك قرابة بالدّم أو بالمصاهرة حتى الدرجة الرابعة ضمناً (ق 122 البند 1)، وعليه تقديم الحساب والميزانيّة بتواتر كتابةً إلى السينودس الدّائم (ق 122 البند 3)، ولسينودس الأساقفة إن طلب ذلك (ق 122 البند 4).
هنالك أيضاً المجمع البطريركي الذي يساعد البطريرك وسينودس الأساقفة في "إدارة الشؤون ذات الأهميّة الكبرى، لا سيما في تنسيق أنماط الرسالة وطرقها، بما يتلاءم مع الظروف المعاصرة وخير كنيسته العام (...)" (ق 140). وهو يشمل الأساقفة ويمثل كل فئات الكنيسة البطريركيّة من إكليروس ورهبان وعلمانيّين ومراقبين من غير الكاثوليك (ق 143). يعمل البطريرك على تنسيق العمل مع كل الفئات المتواجدة على رقعة كنيسته البطريركيّة ولاسيّما مع الكنائس الكاثوليكيّة الأخرى لخير الكنيسة (را ق 322). يترأس هذه الكنيسة البطريرك الذي هو أسقف. من هو الأسقف وكيف يتمّ انتخابه؟

ثانياً – انتخاب الأساقفة
على الشخص الجدير بالأسقفيّة أن يتميّز، بحسب القانون 180، بصفاتٍ أساسيّة منها: "إيمان راسخ وأخلاق حميدة وتقوى وغيرة على النفوس وحكمة" (الفقرة 1)، و"سمعة حسنة" (2) و"ألاّ يكون مرتبطاً بزوج" (3)، أي أن لا يشغله انهماك آخر عن الاهتمام بكنيسة المسيح؛ "وألاّ يقلّ عمره عن خمس وثلاثين سنة" (4)، متّصفاً بالاتزان والنّضوج والخبرة، ورجل مسؤوليّة وقرار؛ "وأن يكون في درجة الكهنوت منذ خمس سنوات لا أقل" (5)، أي متمرساً على خدمة الكنيسة في المجال الذي يشغله؛ "وأن يكون حاصلاً على الدكتوراه أو الليسانس أو بأقل تقدير خبيراً في أحد العلوم الدينيّة" (6)؛ يكتسب موضوع درجة المرشّح العلميّة، لمنصب خطير كهذا، أهميّة مميّزة، لما يتطلّب ذلك من نضوج وثقافة ومعرفة. فالمألوف بنظر المشترع أن يكون حاملاً دكتوراه، ويتمّ التنازل حتى الخبرة في أحد العلوم الدينيّة، ليبقى الباب مفتوحاً أمام اختيار أي كاهن كفؤ ليكون مرشّحاً للأسقفيّة.
ودائماً حول انتخاب الأسقف، هنالك آليّة لها التقدّم في القانون، وهي إقامة لائحة بأسماء المرشّحين للأسقفيّة (ق 182-185) ينتخبهم مسبقاً سينودس الأساقفة ويرفع الأسماء إلى الحبر الروماني الذي يدقّق بكلّ منهم ثمّ يعطي موافقته عليهم بعد شطب من لا يراه منهم كفؤاً لهذه المسؤوليّة. وحدهم أعضاء سينودس الأساقفة (ق 182) يقدّمون أسماء المرشّحين الجديرين بالأسقفيّة، ولهم أن يجمعوا المعلومات والوثائق اللازمة "لإثبات جدارة المرشّحين، وذلك، إذا رأوا الأمر مناسباً، بعد الاستماع سرّاً وعلى حدة، إلى بعض الكهنة أو غيرهم من المؤمنين أيضاً، متميّزين بحكمتهم وسيرتهم المسيحيّة" (البند 1). يجب إذاً معرفة الأشخاص على حقيقتهم وجدارتهم ممّن عايشوهم وشهدوا أداءهم واختبروا مدى جدارتهم. فمنصب الأسقف من الخطورة الى درجة أنّه لا يجوز الاستخفاف به بوضع أشخاص غير قادرين على حمل هذه المسؤوليّة. الله ديّان "لا يستهان به" (غلا 6: 7)، والاستخفاف في هذا المجال مسؤوليّة خطيرة أمام الرب والمؤمنين تقع على عاتق كلّ القيّمين على هذه الكنيسة ممّن عليهم مسؤوليّة الترشيح والانتخاب. يجب إثبات هذه الجدارة. يشترك غبطة البطريرك أيضاً في هذا البحث الاستقصائي (ق 182 البند 2)، وهنالك أخذ وردّ بين غبطته والأساقفة لتشكيل لائحة المرشّحين والتي يقدّمها القانون على الترشيح الفردي لدى كل شغور (راجع ق 185).
يظهر على المرشّح للأسقفيّة وجوب الكفاءة على كل الصعد من خلال السلطان المعطى للأسقف لحكم الأبرشيّة في أبعاده الثلاثة: "التشريعي والتنفيذي والقضائي" (ق 191 البند 1). يمارس السّلطانَ التَّشريعي بنفسه، ولا يمكنه إنابته؛ أما التّنفيذي فيمارسه إما بنفسه أو بواسطة نائبه العام أو نوّابه الخاصّين؛ ويمارس القضائي إما بنفسه أو بواسطة النائب القضائي والقضاة (ق 191 البند 2). فعلى المرشّح إذاً أن يكون رجل عمل مؤسسي يستعين بأصحاب الاختصاص في خدمة الكنيسة جاعلاً من المطرانيّة خليّة ناشطة في العمل الرّسولي والقانوني والإداري والروحي والعلمي وغيرها.
لدى الأسقف ثلاث مهمات: المهمّة الرعويّة، يهتمّ بموجبها بجميع المؤمنين في أبرشيّته أكاثوليكاً كانوا أم غير كاثوليك، وأيضاً بغير المعمّدين لتتجلّى أمامهم شهادة عيش المؤمنين مسيحيّتهم بأمانة. ويولي للكهنة اهتماماً خاصّاً في كل المجالات، أمتزوّجين كانوا أم لا (ق 192)؛ وفي المهمّة التعليميّة، ينشّئ المؤمنين بالوعظ والشرح والتعليم المسيحي للجميع، على حقائق الإيمان ليعيشوها وينقلوها بأمانة (ق 196)؛ وفي المهمّة التقديسيّة، يقدّم نفسه مثالاً للقداسة "في المحبّة والتواضع وبساطة الحياة" (ق 197)، ويعمل على تقديس المؤمنين من خلال الأسرار المقدّسة (ق 197 – 198) والحياة الطقسيّة كلّها، باذلاً قصارى جهده في تعزيزها وتنظيمها بحسب تقليد كنيسته (ق 199). فالأسقف معلِم ورجل قيادة وتنظيم وحكمة وعيش وغيرة.
إنّه رجل انفتاح للعمل على تحقيق وحدة المسيحيّين (ق 192 البند 2)، ورجل رؤيا مؤسسية. يقتضي تنظيم الأبرشيّة هذه الرؤيا بمجالسها وهيئاتها. تساعده الدّائرة الأبرشيّة في مقرّ كرسيه "في حكم الأبرشيّة المعهودة إليه" (ق 243 البند 1)، والتي تضمّ "النائب العام والنوّاب الخاصّين والنائب القضائي والمدير المالي الأبرشي ومجلس الشؤون الماليّة ورئيس قلم الدّائرة والقضاة الأبرشيّين والمحامي عن العدل والمحامي عن الوثاق والكتّاب الشرعيّين وغيرهم (...)" (ق 243 البند 2). وله أن يقيم في الدّائرة الأبرشيّة وظائف أخرى تخدم حاجات الأبرشيّة ومصلحتها (ق 243 البند 3). وهذه الحاجات هي حاجات الكنيسة وأهدافها أهداف الكنيسة (را ق 25 و1007) إذ أنّ الأبرشيّة "عيّنة من شعب الله (...) تقوم وتعمل فيها حقّاً كنيسة المسيح الواحدة الجامعة المقدّسة الرسوليّة" (ق 177). فهي مؤلّفة من كل المؤمنين يخدمها الإكليروس.
وهنالك أيضاً المجلس الكهنوتي الذي يساعد الأسقف بمشورته في مجال "العمل الرعوي وخير الأبرشيّة" (ق 264)، وهيئة المستشارين الأبرشيّين ذات الصلاحيات الأوسع (ق 271 وق 284 البند 2، 3ً؛ إلخ)؛ والمجلس الرعوي الذي يهتمّ بالأنشطة الرعويّة في الأبرشيّة (ق 272)؛ وعمداء الكهنة المسؤولين عن قطاعات الأبرشيّة وهم عين الأسقف الساهرة على "تشجيع وتنسيق العمل الرعوي المشترك" وعلى حسن سلوك الإكليروس وسير الرعايا وترتيبها وتلبية حاجاتها على اختلافها، كهنة ومؤمنين (ق 276؛ 278). ومسؤوليّة الأسقف حسن تنظيم الرعايا من خلال الكهنة لتقديس المؤمنين (ق 279 – 303).
وعلى الأسقف الأبرشي، في روح السّهر والمسؤوليّة هذه، أن يزور كامل أبرشيّته ولو مرّة كل خمس سنوات، بنفسه أو بواسطة من يوكل إليهم هذه المهمّة باسمه (ق 205). فإن كانت الأبرشيّة ضمن الرقعة البطريركيّة، يقدّم تقريراً في حالة الأبرشيّة كل خمس سنوات للبطريرك ويرسل نسخة عنه إلى الكرسي الرسولي في أقرب وقت (ق 206 البند 1)، وإن كانت خارج الرقعة البطريركيّة يرسل هذا التقرير إلى الكرسي الرسولي ونسخة عنه إلى البطريرك في أقرب وقت (ق 206 البند 2).
هو يمارس سلطانه باسم المسيح، ويحكم الأبرشيّة كنائب المسيح ومندوبه (ق 178). فمثاله إذاً المسيح المصلوب في عظم حبّه للخراف، وقد استشهد لأجلهم. والأسقف أيضاً يلبس الأحمر كعلامة لهذا التماثل في الشهادة والاستشهاد لأجل الخراف. مرجعيّته إذاً المسيح وهدفه خلاص الناس، كل الناس (را ق 192).
وهكذا يفعّل الأسقف الأبرشيّة بمحبّة ومحاسبة، وحزم وليونة، وروحانيّة وإدارة، ومسؤوليّة وخدمة، (...)، لأنّه رجل القيادة والرؤيا والقرار. لا تجتمع كل هذه المعطيات إلاّ في من يحبّ المسيح والمؤمنين، ليوصله إليهم ويأتي بهم إليه. هذا هو المرشّح للأسقفيّة ليكون مشروع البطريرك في الكنيسة البطريركيّة. من هو البطريرك؟

ثالثاً – انتخاب البطريرك
1 – تعريف

البطريرك أسقف يترأس كنيسة بطريركيّة لها تاريخها وتقاليدها الكنسيّة والثقافيّة العريقة في القدم (ق 55 و28). فهو قائد، "أب ورأس"، يرعى الكنيسة البطريركيّة سليلة المجامع المسكونيّة الأولى والتقليد الكنسي برمّته. تحتّم عليه خطورة موقعه الخبرة والمعرفة والعلم في المعتقد وتاريخ كنيسته والكنيسة الجامعة وتقليدها وتقليد الشرق بكامله لارتباطه الوثيق ببعضه البعض. إنّه رجل الحكمة التي يستمدّها من الله لقيادة شعبه بكلّ أمانة؛ وسيّد البيت الذي يؤدّي الحساب دائماً أمام ذاته للمسيح سيّد الكنيسة وراعيها. يجعله عظم هذه المسؤوليّة صاحب سلطان يخضع له جميع الأساقفة (ق 56) والمؤمنين. كـ"أب" لكل المؤمنين عليه احتضانهم والسّير بهم صوب المسيح، دون أن يهمل أيّاً من أولاده أينما كانوا ومهما كانت توجّهاتهم؛ فهو يحمل مسؤوليّة خلاصهم جميعاً. إن مارس دوراً غير ديني، يكون هدفه التركيز على قيمة الإنسان، والسير بمؤمني كنيسته وبالبشريّة كافّة بمثله الصالح وحكمته إلى المسيح. لا يُبَرّر أيٌّ من تصرّفاته إلاّ من خلال العمل الخلاصيّ الذي يشمل البشريّة ولاسيّما أبناء كنيسته، بدءاً بالأبعد، لأن المسيح ترك التسعة والتسعين ليعيد الخروف الضّال. إنّه "أب ورأس"، ينطلق من أبوّته نحو سلطته. لذلك هو أولاً أب ثم رأس. والرأس هو صاحب السلطة الذي يستمدّ رئاسته من أبوّته. للأب وحده أن يربّي أولاده بسلطة. متى فقد صفة الأبوّة فقد صفة الرئاسة. في الكنيسة السلطة خدمة على مثال المسيح. فالدّور الأول للبطريرك ديني ومن خلاله يمارس أدواراً تخدم الإنسان في حياته الأرضيّة صوب الملكوت.
2 – انتخاب البطريرك
عند شغور الكرسي البطريركي، يتمّ انتخاب البطريرك الجديد في سينودس الأساقفة (ق 63)، وعلى الشرع الخاص أن يضيف الصفات التي على المرشّح لمنصب البطريرك أن يتحلّى بها بالإضافة إلى ما ورد في القانون 180 عن الأسقف (ق 64). يتمّ انتخاب البطريرك حين يحصل المرشّح على أصوات ثلثي أعضاء سينودس الأساقفة القانوني الحاضرين (ق 72 البند 1). ليكون السينودس قانونيّاً يجب، بعد حذف عدد المتغيبين بعذر والمتخلّين عن المنصب (را ق 104 البند 1)، حضور ثلثي من تبقّى. والسينودس نفسه يحدّد شرعيّة التغيّب (ق 68 البند 2). إن لم يحصل أحد على ثلثي أصوات الحاضرين خلال خمسة عشر يومَ تصويتٍ، يُحال الأمر إلى الحبر الروماني (ق 72 البند 2).
إن لم يكن المُنتخَب أسقفاً، تُحفَظ السريّة المطلقة بما في ذلك عنه، حتى تتمّ إجراءات رسامته الأسقفيّة (ق 185 البند 2)، بعد تبليغه سرّاً وقبوله خلال يومين. إن لم يُجب في اليومين يفقد كل حق اكتسبه من الانتخاب (ق 74). أمّا إن كان أسقفاً فيعلنه سينودس الأساقفة وينصّبه بطريركاً بحسب مراسيم الكتب الطقسيّة (ق 75). بعد التنصيب يُعلِم السينودسُ في أقرب وقت الحبرَ الروماني بالانتخاب والتنصيب، ويرسل كتاباً "سينوداليّاً" إلى بطاركة الكنائس الشرقيّة الأخرى (ق 76 البند 1). وعلى البطريرك الجديد أن يلتمس من الحبر الروماني في أقرب وقت "الشركة الكنسيّة" بكتاب يوقّعه (ق 76 البند 2). قبل تنصيبه لا يستطيع أن يمارس مهمّة منصبه على وجه صحيح (ق 77 البند 1). وقبل أن يتلقّى "الشركة الكنسيّة" (أي الجواب من قبل الحبر الروماني بإعلان هذه الشركة مع المنتخَب الجديد)، لا يحق له أن يدعو سينودس الأساقفة إلى الانعقاد ولا أن يرسم أساقفة (ق 77 البند 2).

خاتمة
هنالك صفات عدة تتجلّى من خلال القوانين الكنسيّة على البطريرك أن يتحلّى بها، كالقيادة والحكمة والخبرة والنظرة الكنسيّة الشاملة والبعد الرؤيوي المستقبلي والفاعلية واتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بمشاركة ومسؤوليّة. عليه أن يكون أوسع من التّفاصيل وأدقّ من العموميّات. رجل موقف مستنير بالحقيقة بعيد الأفق وهمّه إرضاء الله والعمل على خلاص الإنسان.
في عالم اليوم، عالم المعلوماتيّة والكومبيوتر والانترنت (...)، وأمام مؤسّسة بحجم الكنيسة، وشموليّة أبعاد رسالتها وتنوّعها، لا يقدر البطريرك إلاّ أن يكون رجلاً مؤسسياً وتنظيميّاً من الدرجة الأولى، واضح الرؤيا يحدّد الأولويّات بوضوح للعمل على تحقيقها بدءاً بالأهم. من هنا أهميّة التدوين والحفظ والكتابة والدوائر التي ترافقه في كل أعماله، فيستشير ويكلّف لجان العمل التي تحيط به بنشاط وفاعلية وتحضير الملفّات في كل المجالات. إنّه رجل المبادرة والعمل المنظّم والمدوّن... أليس حافظ الذّاكرة الكنسيّة الجماعيّة من التقليد حتّى التجديد؟ هو الأب المربّي، رجل الكرامة والعنفوان الذي يتّكل على مؤمنيه وكنيسته لينظِّم ويقيم المشاريع ويحثّ أبناءه على تحمّل المسؤوليّة والكرم في ما هو الله والكنيسة والإنسان، دون أن يتعرّض لذلّ مدّ اليد، لا إلى الخارج ولا إلى غير أبناء كنيسته. هو العين الساهرة والقلب المحبّ الذي يذهب مع الخراف الأمينة إلى نجدة الخراف الضالّة من قطيعه وإلى القدوم إلى المسيح بخراف أخرى ليست من القطيع. إنّه المسؤول المتواضع والشفّاف في تعامله؛ رجل الحوار والإصغاء والاستشارة والمبادرة والقرار. يسهر على العمل على وحدة المسيحيّين بمحبّة وغيرة وانفتاح ومسؤوليّة، ويضمّ إلى رعايته المسيحيّين وغير المسيحيّين. يتحلّى بروح النبوءة وبعد النظر والجرأة على اقتحام المخاطر حيث تحتاج الكنيسة إلى إنقاذ. هل يعي من هو وما دوره البطريركي في الكنيسة والعالم؟ أليس شاهد القيامة؟
لذلك فالبطريرك رجل الحبّ حتّى الإبداع والتنسيق والتنظيم حتى البناء، والغيرة حتى القوّة وابتكار المؤسّسات، والتجرّد حتى الجرأة الحكيمة، والصلاة حتى العمل الفعّال. لأنّه رجل الله هو رجل الإنسان. يستقطب عمله المؤسسي كل الطاقات والقوى والفاعليات. هو رجل القلب المفتوح، والعقل الراجح، واليد الممدودة، والحقيقة والإصغاء، والمحبّة والتّواضع، والمسؤوليّة والخدمة.
ماذا ينقص الكنيسة البطريركيّة لتكون فاتيكاناً محلّيّاً في دوائرها التي تشمل كلّ الكنيسة حتّى آفاق الاغتراب؟ كيف يتمّ ضبط الكنيسة في الرقعة البطريركيّة وخارجها بروح رؤيويّة؟ ما هي صفات البطريرك الذي تحتاج إليه الكنيسة المارونيّة قبل أن تبحر في البحث عن الأسماء؟ هل تمّ تحديد صفات رجل المرحلة، أكان في لبنان أم في الشرق أم في العالم؟

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق