الاثنين، 14 فبراير 2011

المختصر في تاريخ المقاومة المسيحيّة (1) للدكتور أندره كحّاله


المختصر في تاريخ المقاومة المسيحية 
                             

   I مقدمة : تعريف المقاومة  
"إن الحرب الاهلية  المستمرة في لبنان , هي في الواقع وبشكلٍ أساسيٍّ , حربٌ تهدف إلى  تحديد ماهية التاريخ الصحيح للبلد"[1].
   المقاومة في أساسها هي ردة فعل لدى شعب ما أو لدى مجموعة بشرية ، قد تكون مباشرة وسريعة في حال غزو أو عدوان ، وقد تكون غير مباشرة في حال احتلال الارض . المقاومة هي بحاجة دائماً لدعم خارجي من أجل الإستمرار ولكي تعادل التفاوت في ميازين القوى مع العدو...
          هذه المقاومة قد تصبح غير ممكنة عسكرياً أو بسبب طبيعة العدوان الطويلة الأمد، مما يستوجب أوجهاً أخرى للمقاومة على الصعيد الثقافي الديني أو اللغوي...
     فالظروف والمعطيات الداخلية والخارجية مجتمعة تؤدي إلى نشوء المقاومة وتطّورها وقد تؤدي ظروف ومعطيات أخرى إلى نجاحها أو إلى زوالها.المقاومة بنت التاريخ والتاريخ عملية دائمة من تكوين وتفكيك وإعادة بناء...تتحدد المقاومة بالنسبة إلى الذات لأن هدفها المحافظة على الوجود وعلى الهوية من الخطر الداهم أو المحتمل، الحقيقي أو المتخيل... وهي تطرح بشدة في زمن الأزمات... فالمقاومة غاية ووسيلة في الوقت نفسه: إنها غاية لأن الجماعة تدافع عن وجودها بالذات ، وهي وسيلة لأن الجماعة تتوسل المقاومة أداة دفاعية تحصينية...
  على الصعيد الدولي فالقرار 3246 للجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1974 يعترف بحق الشعوب بمقاومة الاحتلال ...كما أن حق الشعوب في تقرير المصير هو بند مدرج إلى جانب حقوق الأقليات من قبل الامم المتحدة منذ ربيع 1993.


II جذور المشرق الحضارية:
1 - المشرق وجبل لبنان قبل القرن الخامس ميلادي: حقبة توحيد الهّوية
     ثلاثة مفاصل أساسية ساهمت في بلورة هوية المشرق خلال العصور القديمة:
   التوحيد الاول لبلاد المشرق كان على الصعيد اللغوي حيث اعتمدت الامبراطورية الفارسية  الاشيمينية ابتداء من سنة 530 قبل الميلاد اللغة الآرامية كلغة رسمية[2] (بدل اللغة الفارسية القديمة والكتابة المسمارية) هذه اللغة الآرامية انقسمت بعد زوال الفرس الى عدة لهجات مع قدوم الاسكندر والعصر الهلّنستي ابتداء من سنة 334 قبل الميلاد .
  نحن لا نجد في المراجع التاريخية وحتى في العهد القديم إّلا تسمية آرام وبلاد آرام [3] , فبلاد المشرق كانت تسمى بلاد آرام من قبل العبرانيين وبلاد سوريا من قبل اليونان مثلما كان الساحل اللبناني يسمي نفسه بلاد كنعان بينما يطلق عليه اليونان اسم بلاد فينيقيا[4] .
 التوحيد الثاني جاء مع الحضارة الاغريقية والفلسفة اليونانية.ليكتمل حوالي القرن الاول قبل الميلاد مع السلم الروماني الذي ربط المشرق ببقية بلاد المتوسط ، واكبر إرث روماني كان في مدرسة بيروت الحقوقية.
التوحيد الثالث لبلاد المشرق جاء مع البشارة المسيحية التي سلكت طريق المدن الكبرى من صيدا وصور إلى دمشق وأنطاكيا "حيث دعيوا لأول مرةٍ مسيحيين"[5]. بذلك تكون اكتملت هوية المشرق لغوياً وحضارياً ودينياً.
  أما التعددية اللغوية فهي تظهر باكراً في بلاد المشرق حيث "كانت اليونانية لغة المعنيين بالاداب والفلسفة، واللاتينية لغة القانون والجيش، والآرامية لغة الشعب والكنيسة، حتى في المدن التي انتشرت فيها الهلّينية اكثر من سواها كان أهل البلاد يتكلمون بطلاقة الكنعانية وخصوصاً الآرامية السريانية " [6]
  لكن المناطق الداخلية والجبال كانت صعبة التبشير وظلت المعابد الوثنية مزدهرةً حيث بني معبد الشمس في بعلبك في القرن الثاني ميلادي ومعابد فقرا الوثنية ,[7] مراكز عبادة عشتروت 
  مع نهاية الاضطهاد للديانة المسيحية سنة 312م. على يد  الإمبراطور قسطنطين  أصبحت الوحدة الدينية والسياسية وجهين لعملة واحدة.
 كانت المجامع المسكونية تعقد بناء على طلب الامبراطور ، برئاسته وفي حضوره اكثر الاحيان وكانت مقررتها اللاهوتية او التنظيمية الكنسية تنّفذ بواسطة اوامر الامبراطور بالاساليب العسكرية.
  هذه المجامع التي هدفت لتوحيد المسيحيين ومحاربة البدع، اتت بنتائج عكسية وتسببت بانشقاقاتٍ جديدة ونشوء كنائس مستقلةٍ تعبيراً عن التوق إلى الاستقلال السياسي، خاصةً بعد المجمع الرابع أو الخلقيدوني سنة 451 , "إن الأنشقاق الداخلي الذي حدث في الشرق إبان القرن السادس بين مناصري المجمع الخلقيدوني ومناوئيه ، كان سببه الاختلاف في التعابير اللاهوتية في طبيعتي السيد المسيح ,  ولم تتأّصّل هذه الاختلافات اللاهوتية الدقيقة في عقول العامة إلاّ بفضل ما أثير حولها من نعراتٍ قوميةٍ وطنيةٍ ,  فتحمس لها الأقباط والسريان والأرمن بهدف مقاومة دولة الروم المستعمرة"[8]. هذا الوعي القومي تطوّر على مراحل عديدة دامت حوالي مئتي سنة وصولاً إلى القرن السابع...
وبحسب التحليل نفسه ، نجد الشعب السرياني الشرقي في بلاد فارس يعتنق البدعة النسطورية في وقتٍ مبكرٍ بحيث يكون تأسيس الكنيسة السريانية الشرقية كعلامة تمايزٍ عن الكنيسة البيزنطية والدولة البيزنطية وسبيلاً لاتقاء الاضطهاد من قبل الحكم الفارسي[9]..
3-جبل لبنان من القرن الخامس الى القرن السابع: حقبة  التبشير
  لمناصرة هذا المجمع الخلقيدوني، كانت جماعةٌ رهبانيةٌ قد إقتدت بالقديس مارون الذي ترهب مستوحداً ومات على جبل قورش حوالي 410م. "وقد تمّ بناء دير مار مارون على العاصي حوالي 452م[10], في منطقة أفاميا قرب حماة بأوامر من الأمبراطور مرقيانوس وسعي من تيودوريطس أسقف قورش (458+) وذلك للدفاع عن التيار الملكي الخلقيدوني في بلاد سوريا. "هذا الدير الذي سيكون له الأسبقية على أديار المنطقة في القرن التالي."[11]
  إن التبشير المسيحي سينتشر من دير مار مارون على العاصي نحو جبل لبنان حيث لا يزال نهر إبرهيم ( وهو نهر أدونيس الذي ينبع من مغارة أفقا ) يحمل اسم الراهب ابرهيم الذي بشّر أهل الجبال. قدم ابراهيم القورشي معاصر القديس مارون من منطقة قورش"فأقام في بلدة كبرى معروفة بغرقها في قتام الكفر".[12] "كما بعث القديس يوحنا الذهبي الفم(407+) المعاصر للقديس مارون نحو بداية القرن الخامس بمرسلين جدد لهداية وثنية فينيقيا"[13] فالمناطق المارونية الأولى في لبنان هي جرود بلاد جبيل أي مناطق العاقورة وأفقا والمنيطرة  ويانوح وقرطبا.
  أمّا الاضطهاد الذي سيمارسه اليعاقبة على الرهبان الموارنة سنة 517 والذي من جرّائه سيستشهد حوالي 350 راهباً مارونياً، فسيكون سبباً للإتصال الأول مع بابا روما هرمزدا , حيث يشكو له الرهبان في رسالتهم ما يقاسونه من أجل المحافظة على الإيمان الصحيح  ويذكرون اللجوء" من تيار العواصف والامطار الى ميناء الامن" .[14](تحتفل الكنيسة المارونية بذكراهم في الحادي والثلاثين من شهر تموز ) .
 "أخذت أهمية دير مار مارون على العاصي في الامتداد والكبر تصاعديا , حتى أصبح يضم كما يقول  المؤرخ المسعودي (956+) : "أكثر من ثلاثماية صومعة يسكنها الرهبان " .والأسقف الماروني توما الكفرطابي يؤكد إنه في القرن السابع كان هذا الدير يضم ثمانماية راهب "[15]
 ان الزلازل المتتالية التي ضربت الساحل اللبناني وخاصة الزلزال الكبير سنة 555 ادت الى دمار مدرسة بيروت الحقوقية ، والى انتقال ديموغرافي نحو الجبل.[16] 
   مع حلول القرن السابع، نجد الصورة المشرقية كما يلي:
·   على الصعيد الديني إنقسامٌ  بشكل كنائس قومية عند كلٍّ من الأقباط في مصر، السريان الشرقيين في بلاد فارس، الأرمن في أرمينيا والسريان في بلاد السريان بقسميهما:السريان اللاخلقيدونيين أنصار الطبيعة الواحدة ( مونوفيزيين ) و السريان الملكيين الخلقدونيين  الموارنة.
·   على الصعيد السياسي، نجد البلاد عرضةً لحربٍ طاحنةٍ بين البيزنطيين  والفرس الذين احتلوا انطاكيا والمشرق السرياني ومصر إلى أن قام الإمبراطور هرقل بحرب استرجاع لهذه المناطق وللصليب المقدس بين سنتي 611 و 629[17].
 "تعرض لبنان في القرن السابق للفتح العربي الى ثلاث مصائب وهي الزلازل والصراعات المذهبية والحروب الفارسية البيزنطية ,فأدت هذه الكوارث المتلاحقة الى القضاء على الكثير من سكانه ,وخاصة سكان السواحل".[18]


[1]   د.  كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة – دار نوفل 2000 -  ص 251

[2] د. فيليب حتي : موجز تاريخ الشرق الادنى ص 54
[3] د.أنيس فريحة : معجم اسماء المدن اللبنانية – مكتبة لبنان 1985 -   ص 20
[4] جواد بولس : تاريخ شعوب وحضارات الشرق الادنى:(بالفرنسية)ج3 ص133
[5] اعمال الرسل : ( 11: 26)
[6]  ألأباتي بولس نعمان : محطات مارونية من تاريخ لبنان –دير سيدة النصر  1998 - ص 28/29
 [7] فيليب حتي : تاريخ لبنان - دار الثقافة- ص 265
[8]المطران ميشال يتيم : تاريخ الكنيسة الشرقية –منشورات المكتبة البوليسية-ص102
   [9] ميشال يتيم : تاريح الكنيسة ص 115
[10] ابو الفدا : المختصر في تاريخ البشر-  بيروت  1960-  ص 81
[11] الاباتي بولس نعمان : المارونية لاهوت وحياة – منشورات الكسليك1992- ص150
[12] تيودوريتس اسقف قورش : تاريخ اصفياء الله ص 149
[13]ا بولس نعمان : محطات مارونية ..ص 34
[14] فؤاد افرام البستاني : مار مارون ص 48
[15]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية - الكسليك 1984 – ض 12
[16]  بولس نعمان : محطات مارونية .. ص 26
[17] الاب بطرس ضو : التاريخ الديني والثقافي والسياسي للموارنة ( بالفرنسية)
[18] محمد علي مكي  :لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثمانيدار النهار 1991 - ص 14

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق